قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} : أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ، وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، حِينَ ذُكِرُوا لَهُمْ {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} : أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 57] : أَيْ بِالْوَقْعَةِ الَّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} : أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} بِدُعَاءِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِكُمْ {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} : أَيْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} لِلْمَطَرِ الَّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ، وَخَلَّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال: 11] : أَيْ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكَّ الشَّيْطَانِ، لِتَخْوِيفِهِ إيَّاهُمْ عَدُوَّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ1 الْأَرْضِ لَهُمْ، حَتَّى انْتَهَوْا إلَى منزلهم الذي سبقوا إليه عدوَّهم.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} : أَيْ آزِرُوا الَّذِينَ آمَنُوا {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 12، 13] ، ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} : أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ لِئَلَّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ فِيهِمْ مَا وعدهم.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى، فِي رَمْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ، حِينَ رَمَاهُمْ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} : أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِكَ، لَوْلَا الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِكَ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوِّكَ مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللَّهُ {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} [الأنفال: 17] : أَيْ لِيُعَرِّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حقه، ويشكروا بذلك نعمته.