القومُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قائمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، متوشِّح السَّيْفِ، فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرَّة الْعَدُوِّ، وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا ذُكِرَ لِي- فِي وَجْهِ سَعْد بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النَّاسَ، فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَاَللَّهِ لَكَأَنَّكَ يَا سعدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمَ؟ " قَالَ: أَجَلْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ. فَكَانَ الِإثخان فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشِّرْكِ أحبَّ إلي من استبقاء الرجال.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: "إنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أخرجوا كرهًا، ولا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا: فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يقتُله وَمَنْ لَقِيَ أَبَا البَخْتَري بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أسد فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتكرَهًا".

قَالَ: فقال أبو حُذيفة: أنقتل آباءَنا وأخواتنا وَعَشِيرَتَنَا. وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ؟ وَاَللَّهِ لَئِنْ لقيتُه لألحِمنه السَّيْفَ -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَأُلْجِمَنَّهُ السَّيْفَ- قَالَ: فَبَلَغَتْ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: "يَا أَبَا حَفْصٍ -قَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّاني فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي حَفْص- أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ؟ " فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عنقهُ بِالسَّيْفِ، فَوَاَللَّهِ لَقَدْ نَافَقَ فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قلتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا إلَّا أَنْ تُكَفِّرَهَا عَنِّي الشَّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنَّمَا نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قَتْلِ أَبِي البَخْتَري؛ لِأَنَّهُ كَانَ أكفَّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ، وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْ قُريش عَلَى بَنِي هاشم وبني المطلب. فلقيه المجَذَّر بن زياد البَلَوي، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْف، فَقَالَ المجَذَّر لِأَبِي البَخْتري: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نَهَانَا عَنْ قَتْلِكَ -وَمَعَ أَبِي البَختري زَمِيلٌ1 لَهُ، قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ جُنادة بْنُ مُلَيحة بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْث وَاسْمُ أَبِي البَخْتري: الْعَاصِ-قَالَ: وَزَمِيلِي؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذَّرُ: لَا وَاَللَّهِ، مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زميلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015