قَالَ حَكيم: فانطلقتُ حَتَّى جئتُ أَبَا جَهْلٍ، فَوَجَدْتهُ قَدْ نَثَل1 دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا، فَهُوَ يَهْنِئها2 -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُهيئها- فقلتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ إنَّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْكَ بِكَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي قَالَ، فَقَالَ: انْتَفَخَ وَاَللَّهِ سَحْرُه حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، كَلَّا وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وبينَ مُحَمَّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَأَى أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أكلةَ جَزُور، وَفِيهِمْ ابْنُهُ، فَقَدْ تخوَّفكم عَلَيْهِ. ثُمَّ بَعَثَ إلى عامر بن الحَضْرمي، فقال: هذا يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَك، وَمَقْتَلَ أَخِيكَ.

فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الحَضْرمي فَاكْتَشَفَ ثُمَّ صَرَخَ: واعَمْراه. واعَمْراه، فحميت الحرب، وحَقِب3 الناس، واستوثقوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرِّ. وَأُفْسِدَ عَلَى النَّاسِ الرأيُ الَّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ.

فَلَمَّا بَلَغَ عُتبة قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ "انْتَفَخَ والله سَحْرُه"، ال: سَيَعْلَمُ مُصَفِّرُ استِه4 مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُه، أَنَا أَمْ هُوَ؟

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السَّحْر: الرِّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمَّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السُّرَّةِ. وَمَا كَانَ تَحْتَ السُّرَّةِ، فَهُوَ القُصْب، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: رَأَيْتُ عَمرو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَه فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ.

ثُمَّ الْتَمَسَ عُتبة بَيْضةً ليُدخلها فِي رَأْسِهِ، فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ5 عَلَى رَأْسِهِ بُبرد لَهُ.

مَقْتَلُ الأسود بن عبد الأسد الْمَخْزُومِيِّ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سيِّئ الخُلُق، فَقَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ لأشربنَّ مِنْ حوضِهم، أَوْ لأهدِمَنَّه. أَوْ لأموتَنَّ دُونَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ، خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنَّ6 قدمَه بِنِصْفِ سَاقِهِ، وَهُوَ دُونَ الحَوْض فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَبَا إلى الحَوْض حتى اقتحم فيه، يريد أن يبر بيمينه، وَأَتْبَعَهُ حمزةُ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015