يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نوحٌ لقومهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أجابَ المنادِيَا
فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النَّاسِ وَاحِدًا ... قَرِيبًا وَلَا يَخشى مِنْ الناسِ نَائِيَا
بذلْنا لَهُ الأموالَ مِنْ حِل مالِنا ... وأنفسَنا عندَ الوغَى والتَّآسِيَا
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... ونعلمُ أَنَّ اللَّهَ أفضلُ هاديَا
نعادِي الَّذِي عادَى مِنْ الناسِ كلِّهم ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الحبيبَ المُصافيَا
أَقُولُ إذَا أدْعوك فِي كُلِّ بَيْعَةٍ:
تباركتَ قَدْ أكثَرتُ لاسمِك داعيَا
أقولُ إذَا جاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً:
حَنَانَيْك لَا تُظْهِرْ عَلَيَّ الأعَادِيَا ... فَطَأْ مُعْرِضًا إنَّ الحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
وَإِنَّكَ لَا تُبقي لنفسِك بَاقِيَا ... فَوَاَللَّهِ مَا يدرِي الْفَتَى كيفَ يتَّقي
إذَا هُوَ لَمْ يجعلْ لَهُ اللَّهُ واقيَا ... وَلَا تَحْفِلُ النخلُ المُعِيمةُ ربَّها
إذا أصبحت رِيا وأصبح تاويَا1
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الَّذِي أَوَّلُهُ:
فَطَأْ مُعْرِضًا إنَّ الحتوفَ كَثِيرَةٌ
وَالْبَيْتُ الَّذِي يَلِيهِ:
فَوَاَللَّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يتَّقي
لِأَفْنُونَ التَّغْلبي، وَهُوَ صُرَيْم بْنُ مَعْشَر، فِي أَبْيَاتٍ له.
عداوة اليهود:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ونصبتْ عندَ ذَلِكَ أحبارُ يهودَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العداوةَ، بَغْيًا وَحَسَدًا وَضِغْنًا، لِمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ أَخْذِهِ رَسُولَهُ مِنْهُمْ، وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رجالٌ مِنْ الأوْس وَالْخَزْرَجِ، مِمَّنْ كَانَ عَسِيَ2 عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ، فَكَانُوا أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ مِنْ الشِّرك وَالتَّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ، إلَّا أَنَّ الْإِسْلَامَ قَهَرَهُمْ بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ قومِهم عَلَيْهِ، فَظَهَرُوا بِالْإِسْلَامِ، وَاِتَّخَذُوهُ جُنَّة مِنْ الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السِّرِّ، وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ يهودَ، لِتَكْذِيبِهِمْ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجُحُودِهِمْ الْإِسْلَامَ، وَكَانَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ هُمْ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَتَعَنَّتُونَهُ، وَيَأْتُونَهُ باللَّبس، ليَلْبِسوا الحقَّ بِالْبَاطِلِ، فَكَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ، إلَّا قَلِيلًا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يسألون عنها.