فَهُوَ لَكَ وأسلمْ إلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا، الَّذِي قَدْ خَالَفَ دينَك ودينَ آبَائِكَ، وَفَرَّقَ جَمَاعَةَ قَوْمِكَ وسفَّه أحلامَهم، فَنَقْتُلَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ بِرَجُلِ؛ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي، أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أغذُوه لَكُمْ، وَأُعْطِيكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ؟! هَذَا وَاَللَّهِ مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ: فَقَالَ المُطْعِم بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفل بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصي: وَاَللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ أَنْصَفَكَ قومُك، وَجَهَدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُهُ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا؛ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ: وَاَللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي، وَلَكِنَّكَ قَدْ أجمعتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةَ الْقَوْمِ عليَّ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، أَوْ كما قَال. قَالَ: فَحَقَبَ الْأَمْرُ1، وَحَمِيَتْ الحربُ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ، وبادَى بعضُهم بَعْضًا.

شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي المطعم ومن خذله: فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عِنْدَ ذَلِكَ، يُعَرِّضُ بالمطْعِم بْنِ عَدِيّ، وَيَعُمُّ مَنْ خَذَلَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَمَنْ عَادَاهُ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَيَذْكُرُ مَا سَأَلُوهُ، وَمَا تَبَاعَدَ مِنْ أَمْرِهِمْ:

ألا قل لِعَمْرٍو والوليدِ ومُطْعِم ... أَلَا لَيْتَ حظِّي مِنْ حياطتِكم بكرُ2

مِنْ الخُور حَبْحَاب كثيرٌ رُغاؤه ... يُرَشُ عَلَى الساقَيْن مِنْ بولِه قَطْرُ3

تَخلّف خالفَ الوِرْدِ لَيْسَ بِلَاحِقِ ... إذَا مَا عَلَا الفَيْفاء قِيلَ لَهُ وَبْرُ4

أَرَى أخويْنَا مِنْ أَبِينَا وأمِّنا ... إذَا سُئلا قَالَا إلَى غيرِنا الأمرُ

بلَى لَهُمَا أَمْرٌ وَلَكِنْ تَجَرجَمَا كَمَا ... جُرْجِمَتْ من رأسِ ذي عَلَقٍ صخرُ5

أخُصُّ خُصُوصًا عبدَ شَمْسٍ ونوْفلًا ... هُمَا نَبَذَانَا مثلَ مايُنبَذُ الجمرُ

هما أغمزَا القومَ فِي أخَوَيْهما ... فَقَدْ أَصْبَحَا مِنْهُمْ أكفُّهما صِفْرُ6

طور بواسطة نورين ميديا © 2015