وقائلةٍ والدمعُ سكْت مُبادرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بالدمعِ مِنْهَا المحاجرُ
كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجُون إلَى الصَّفا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُر بمكةَ سامرُ1
فقلتُ لَهَا والقلبُ مِنِّي كَأَنَّمَا ... يُلَجْلجه بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طائرُ
بَلَى نَحْنُ كُنَّا أهلَها، فأزالَنا ... صروفُ اللَّيَالِي، والجدودُ العواثرُ
وَكُنَّا ولاةَ الْبَيْتِ مِنْ بعدِ نابتٍ ... نطوفُ بِذَاكَ البيتِ، والخيرُ ظاهرُ
وَنَحْنُ وَلِينَا البيتَ مِنْ بَعْدِ نابتٍ ... بِعَزٍّ، فَمَا يحْظَى لَدَيْنَا المكاثِرُ
مَلَكْنا فعزَّزْنا فأعْظمْ بمُلكنا ... فَلَيْسَ لِحَيِّ غَيْرِنَا ثَمَّ فاخِرُ
أَلَمْ تُنكحوا مِنْ خيرِ شخصٍ علمتُه ... فَأَبْنَاؤُهُ مِنَّا، ونحنُ الأصاهرُ2
فَإِنْ تَنْثنِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بحالِها ... فَإِنَّ لَهَا حَالًا، وَفِيهَا التشَاجُرُ
فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا المليكُ بقُدرةٍ ... كَذَلِكَ -يَا لَلناس-تَجْرِي المقادِرُ
أَقُولُ إذَا نَامَ الخليُّ -وَلَمْ أنَمْ ... أَذَا الْعَرْشِ لَا يَبْعُدُ سُهيل وعامرُ3
وَبُدِّلْتُ مِنْهَا أوْجُهًا لَا أحبُّها ... قبائلُ مِنْهَا حِمْيَر ويُحابرُ
وصِرنا أَحَادِيثَا وَكُنَّا بغبْطةٍ ... بِذَلِكَ عَضَّتْنَا السُّنون الغوابرُ
فسَحَّت دموعُ العينِ تَبْكِي لبلدةٍ ... بِهَا حَرم أمْنٌ، وفيها المشاعرُ4
وتبكي لبيت ليس يُؤذَى حَمامُه ... يظلُّ بِهِ أمْنا، وَفِيهِ العصافرُ5
وَفِيهِ وُحوش لَا تُرامُ أنيسةٌ ... إذَا خرجَتْ مِنْهُ فليستْ تُغادرُ6
قال ابن هشام: "فأبناؤه منا" عن غير ابن إسحاق.