يَسْمَعُوهُ لِنُزُولِهِ، فعمدُوا إِلَى أَحَادِيْث الكِتَاب، فسَاقوهَا مِنْ مرويَّاتِهم عَالِيَة بدرجَة وَبِدَرَجَتَيْنِ، وَنَحْو ذَلِكَ, حَتَّى أَتَوا عَلَى الجَمِيْع هَكَذَا، وَسَمَّوهُ: "الْمُسْتَخْرج عَلَى صَحِيْح مُسْلِم". فعلَ ذَلِكَ عِدَّة مِنْ فُرْسَان الحَدِيْث، مِنْهُم: أَبُو بكر مُحَمَّد بن محمد بن رجاء، وأبو عوانة يعقوب بن إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِيْنِي -وَزَاد فِي كِتَابِهِ متوناً مَعْرُوْفَة بَعْضهَا لَيِّنٌ- وَالزَّاهِدُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بن حمدون الحِيْرِيّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ حَسَّان بن مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الشَّاركِي الهَرَوِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زَكَرِيَّا الجوزقِي، وَالإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ المَاسَرْجِسِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الأصبهاني، وآخرون لا يحضرني ذكرهم الآن.
وقال في "السير" "10/ 181":
مسلم بن الحجاج -لحدة في خلقه- انحرف عَنِ البُخَارِيّ، وَلَمْ يَذْكُر لَهُ حَدِيْثاً، وَلاَ سَمَّاهُ فِي "صَحِيْحِهِ"، بَلِ افتَتَح الكِتَاب بِالحط عَلَى مَنْ اشْترط اللُّقِي لِمَنْ رَوَى عَنْهُ بصيغَة: عَنْ، وَادَّعَى الإِجْمَاع فِي أَنَّ المعَاصرَة كَافيَةٌ، وَلاَ يتَوَقَّف فِي ذَلِكَ عَلَى العِلْم بِالتقَائِهِمَا، وَوبخ مِنِ اشْترط ذَلِكَ. وَإِنَّمَا يَقُوْلُ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيّ، وَشَيْخه عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ، وَهُوَ الأَصوب الأَقْوَى. وَلَيْسَ هَذَا موضع بسط هذه المسألة.
وقال في "السير" "10/ 182":
قال الحَاكِمُ: أَرَادَ مُسْلِم أَنْ يخرج "الصَّحِيْح" عَلَى ثَلاَثَة أَقسَام، وَعَلَى ثَلاَث طَبَقَات مِنَ الرُّوَاة، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا فِي صَدْر خطبَته، فَلَمْ يقدّر لَهُ إِلاَّ الفرَاغ مِنَ الطَّبَقَة الأُوْلَى، وَمَاتَ ثُمَّ ذكر الحَاكِم مَقَالَة هِيَ مُجَرّد دعوَى. فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَذْكُر مِنَ الأَحَادِيْث إِلاَّ مَا رَوَاهُ صحَابِي مَشْهُوْر لَهُ رَاويَان ثِقَتَانِ فَأَكْثَر ثُمَّ يَرْوِيْهِ عَنْهُ أَيْضاً رَاويَان ثِقَتَانِ فَأَكْثَر، ثُمَّ كَذَلِكَ مِنْ بَعْدهُم.
فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الجَيَّانِي: المرَاد بِهَذَا أَنَّ هَذَا الصَّحَابِيّ أَوْ هَذَا التَّابِعِيّ قَدْ رَوَى عَنْهُ رَجُلاَنِ، خَرَجَ بِهِمَا عَنْ حدّ الجهَالَة.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالَّذِي تَأَوّله الحَاكِم عَلَى مُسْلِم من اخترام المنيَة لَهُ قَبْل اسْتيفَاء غَرَضه إِلاَّ مِنَ الطَّبَقَة الأُوْلَى، فَأَنَا أَقُوْل: إِنَّك إِذَا نظرت فِي تَقْسِيم مُسْلِم فِي كِتَابِهِ الحَدِيْث عَلَى ثَلاَث طَبَقَات مِنَ النَّاس عَلَى غَيْر تكرَار، فَذَكَرَ أَنَّ الْقسم الأَوّل حَدِيْث الحُفَّاظ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا انقضَى هَذَا، أَتبعته بأَحَادِيْث مَنْ لَمْ يُوصف بِالحذق وَالإِتْقَان. وَذكر أَنَّهُم لاَحقُوْنَ بالطبقة