الأَرمن، فَظلم الرَّعِيَّة، فَجمعَ رِضْوَانُ الولخشِي جَيْشاً، وَقصد القَاهِرَةَ، فَسَارَ بَهْرَامُ فِي جَيْشِهِ إِلَى الصّعيد وَأَكْثَرهُم أَرمن نَصَارَى، فَمنعه أَمِيْر أُسْوَان مِنْ دُخُوْلهَا، فَاقْتَتَلُوا، وَقُتِلَ عِدَّةٌ مِنَ الأَرمن وَالسودَان، ثُمَّ بَعَثَ يَطلب أَمَاناً مِنَ الحَافِظِ العبيدِي، فَآمَنَهُ، فَعَاد وَحُبِس بِالقَاهِرَةِ، ثُمَّ ترهَّبَ، ثُمَّ أُطْلِقَ، وَوزر لِلْحَافِظ رِضْوَان، وَلُقب بِالملك الأَفْضَل، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَافِظ بَعْد سنتَيْن، فَهَرَبَ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ عَلَى أَمِيْرِ الدَّوْلَة كَمشتِكين صَاحِب صَرْخَد، فَأَكْرَمَه، وَعظَّمه.
وَأُعِيْدت إِلَى المُقْتَفِي ضِيَاعه وَمعَامِلاَتُهُ، وَتَمَكَّنَ، وَنَصْر عَسْكَر دِمَشْق وَعَلَيْهِم بزوَاش عَلَى فِرْنَج طَرَابُلُس، وَالتَقَى زِنْكِي وَالفِرَنْج أَيْضاً فَهَزمهُم، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةٍ لَهُم، ثُمَّ سَارَ وَأَخَذَ بَعْلَبَكَّ، وَأَخَذتِ الرُّوْم بُزَاعَةَ بِالأَمَانِ، وَتنصَّر قَاضِيهَا وَجَمَاعَة، فَلله الأَمْر.
وَتَزَوَّجَ السُّلْطَان مَسْعُوْدٌ بِبنتِ دُبَيْسٍ الأَسَدِيِّ لِملاَحتهَا، وَأُغلقت بَغْدَاد لِلْعرس أُسْبُوْعاً فِي سَنَةِ "532".
وَفِيْهَا اسْتفحل أَمر الرَّاشد، وَالتف عَلَيْهِ عَسَاكِر، فَقتلته البَاطِنِيَّة، وَنَازلت عَسَاكِر الرُّوْم حلب، وَحمِي الحَرْب، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ النَّصَارَى، وَقُتِلَ بِطْرِيْقُهُم، ثُمَّ نَازلُوا شَيْزَر مُدَّة، وَعَاثُوا فِي الشَّام، وَمَا قحم عَلَيْهِم زِنْكِي، بَلْ ضَايقهُم، وَطلب النّجدَة مِنَ السُّلْطَان مَسْعُوْد، ثُمَّ قلعهُم الله.
وَفِي سَنَةِ533 زلْزلت جَنْزَة. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: فَأَهْلكت مائتي أَلفٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَسَمِعْتُ شَيْخنَا ابْنَ نَاصِرٍ يَقُوْلُ: جَاءَ الخَبَر أَنَّهُ خُسفت جَنْزَة، وَصَارَ مَكَان البَلَدِ مَاءٌ أَسودُ. وَكَذَا عدهُم ابْن الأَثِيْرِ فِي كَامِلِه لَكِن أَرَّخهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ.
وَفِيْهَا حَاصر زِنْكِي دِمَشْق غَيْرَ مَرَّةٍ، وَعُزِلَ ابْنُ طِرَاد مِنَ الوِزَارَة، وَوَلِيهَا أُسْتَاذ الدَّار أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِيْرٍ، وَعَظُمَ الخطبُ بِالعَيَّارِيْنَ، وَأَخَذُوا الدُّور بِالشُّموع وَالثِّيَاب مِنَ الحمَامَات، وَأَعَانَهُم وَزِيْر السُّلْطَان، فَتَحَزَّب النَّاسُ لَهُم، وَأَذِنَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ، وَتَتَبَّعُوهُم.
وَفِيْهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عُظْمَى بَيْنَ سَنْجَر السُّلْطَان وَبَيْنَ كَافِر ترك بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَانْكَسَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَنَجَا سَنْجَر فِي طَائِفَةٍ، فَتوصَّل إِلَى بَلْخَ فِي سِتَّة نَفرٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الجَيْش حَتَّى قِيْلَ: قُتل مائَةُ أَلْف، وَسَارَ اللعينُ فِي ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَأَحَاطُوا بِسَنْجَرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ حَاصَرَ زِنْكِي الفِرَنْج بِالرُّهَا، وَافْتَتَحَهَا، ثُمَّ بَعْد سَنَوَات أَخَذَتهَا الفِرَنْج.