قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَزِيْرُهُ عَوْنُ الدِّينِ بنُ هُبَيْرَةَ، وَقِيْلَ: كَانَ لاَ يَجرِي فِي دَوْلَتِهِ شَيْءٌ إلَّا بِتَوقِيعِهِ، وَكَتَبَ فِي خِلاَفَتِهِ ثَلاَثَ رَبَعَاتٍ، وَوَزَرَ لَهُ عَلِيُّ بنُ طِرَادٍ، ثُمَّ أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِيرٍ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، ثُمَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَحجبَهُ أَبُو المَعَالِي بنُ الصَّاحبِ، ثُمَّ كَامِلُ بنُ مُسَافِرٍ، ثُمَّ ابْنُ المعوّجِ، ثُمَّ أَبُو الفَتْحِ بنُ الصَّيْقَلِ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ الصَّاحبِ.

وَكَانَ أَسْمَرَ آدَمَ، مَجْدُورَ الوَجْهِ، مليحَ الشَّيْبَةِ، أَقَامَ حِشْمَةَ الخِلاَفَةِ، وَقطعَ عَنْهَا أَطمَاعَ السَّلاَطِيْنِ السَّلْجُوْقيَّةِ وَغَيْرِهِم، وَكَانَ مِنْ سَلاَطِيْنِ خِلاَفَتِهِ صَاحِبُ خُرَاسَانَ سَنْجَرُ بنُ مَلِكْشَاه، وَالملكُ نورُ الدِّينِ صَاحِبُ الشَّامِ، وَأَبُوْهُ قسيمُ الدَّوْلَةِ.

أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ قَالَ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الفَرَجِ الحَدَّادِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثقُ بِهِ أَنَّ المُقْتَفِي رَأَى فِي مَنَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخلَفَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لَهُ: سيصِلُ هَذَا الأَمْرُ إِلَيْكَ، فَاقتَفِ بِي. فَلِذَا لُقِّبَ المُقْتَفِي لأَمرِ اللهِ.

وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ السُّلْطَانُ مَسْعُوْدٌ السَّلْجُوْقِيُّ، وَذَهَبَ الرَّاشدُ مِنْ بَغْدَادَ، فَاجْتَمَعَ القُضَاةُ وَالكُبَرَاءُ، وَخلعُوا الراشد -كما ذكرنا- لعدم أهليته، وَحكمَ بِخلعِهِ ابْنُ الكَرْخِيِّ القَاضِي، وَبَايَعُوا عَمَّهُ.

قَالَ السَّديدُ بنُ الأَنْبَارِيِّ: نَفَّذَ السُّلْطَانُ إِلَى عَمِّهِ سَنْجَر: مَنْ نَستخلفُ? فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ تُوَلِّ إلَّا مَنْ يَضمنُهُ الوَزِيْرُ، وَصَاحِبُ المخزنِ، وَابْنُ الأَنْبَارِيِّ. قَالَ: فَاجْتَمَعَ بِنَا مَسْعُوْدٌ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: نُوَلِّي الدَّيِّنَ الزَّاهِدَ مُحَمَّدَ بنَ المُسْتظهِرِ. قال: تضمنه ? قال: نعم. وكان صهراً لِلوزِيْرِ عَلَى بِنْتِهِ تَزَوَّجَ بِهَا فِي دَوْلَةِ أَبِيْهِ.

وَأَخَذَ مَسْعُوْدٌ كُلَّ حَوَاصِلِ دَارِ الخِلاَفَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَدعْ فِي إِصطبلِ الخِلاَفَةِ سِوَى أَرْبَعَةِ أَفرَاسٍ وَثَمَانِيَةِ بغَالٍ. فَقِيْلَ: بَايَعُوا مُحَمَّداً عَلَى أَنْ لاَ يَكُوْنَ عِنْدَهُ خيلٌ وَلاَ عِدَّةُ سفرٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ سِنِيِّهِ صَادرَ مَسْعُوْدٌ أَهْلَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُ الكوَّازِ الزَّاهِدُ، وَوعظَهُ، فَتركَ، وَلَمْ يَدعْ لِلْخَلِيْفَةِ سِوَى العَقَار، ثُمَّ تَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ بِأُخْتِ مَسْعُوْدٍ.

وَفِيْهَا اقتتلَ مَسْعُوْدٌ وَعَسَاكِرُ أَذْرَبِيْجَانَ وَالرَّاشدُ المخلوعُ، وَتَمَّتْ وَقْعَةٌ مَهُولَةٌ، وَكَتَبَ الخَلِيْفَةُ لِزِنْكِي بِعَشْرَةِ بِلاَدٍ، وَأَنْ لاَ يُعِينَ الرَّاشدَ، فَخُطِبَ بِالمَوْصِلِ لِلمُقْتَفِي، فَنَفَّذَ الرَّاشدُ يَقُوْلُ لِزِنْكِي: غدرتَ. قَالَ: مَا لَنَا طَاقَةٌ بِمَسْعُوْدٍ، وَفَارقَ الرَّاشدَ وَزِيْرُهُ ابْنُ صَدَقَة، وَقلَّ جَمعُهُ، وَتَحيَّزَ إِلَى مرَاغَةَ، وَبَكَى عِنْدَ قَبْرِ أَبِيْهِ، وَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَثَارَ مَعَهُ أَهْلُ مَرَاغَةَ، وَبذلُوا لَهُ الأَمْوَالَ، وَقَوِيَ بِالملكِ دَاوُدَ، وَعَمِلَ مَصَافّاً مَعَ مَسْعُوْدٍ، فَاسْتظهَرَ دَاوُدَ.

وَفِيْهَا هَرَبَ وَزِيْر مِصْر تاج الدولة بهرام الأنصاري الأرمني، وكان قد تمكن، واستعمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015