صاحب حلب، الملك رضوان بن السلطان تتش بن السُّلْطَانِ أَلبْ أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي.
تملَّك حلب بَعْد أَبِيْهِ، وَامتدَّت أَيَّامُه، وَقَدْ خُطِبَ لَهُ بِدِمَشْقَ عِنْدَمَا قُتِلَ أَبُوْهُ أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَقلَّ بِحَلَبَ، وَأَخَذت مِنْهُ الفِرَنْج أَنطَاكيَة.
وَكَانَ ذمِيمَ السِّيرَة، قَرَّبَ البَاطِنِيَّة، وَعَمِلَ لَهُم دَار دَعْوَة بِحَلَبَ، وَكَثُرُوا، وَقَتَلَ أَخويه أَبَا طَالَبٍ وَبهرَاماً، ثُمَّ هَلَكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، فَتملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ الأَخرس أَلب أَرْسَلاَن، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَتلَ أَخوينِ لَهُ أَيْضاً، وَقَتَلَ رَأْسَ البَاطِنِيَّة أَبَا طَاهِر الصَّائِغ، وَجَمَاعَةً مِنْ أَعيَانِهِم، وَهَرَبَ آخرُوْنَ، فَقتل الأُمَرَاءُ الأَخرس بَعْدَ سَنَةٍ، وَملَّكُوا أَخَاهُ سُلْطَان شَاه.
وَكَانَ رضوَان يَمِيْلُ إِلَى المِصْرِيّين، فَجَاءَ رَسُوْلُ الأَفْضَل أَمِيْرُ الجيوش يدعوه إلى طاعتهم والخطبة لهم، وَالبَيْعَةِ لِلمُسْتعلِي، وَوَعَدُوْهُ بِالنَّجدَة وَالمَالِ، فَخطب فِي بلاَده لِلمُسْتَعلِي، وَلِوَزِيْره أَمِيْرِ الجُيُوْشِ جُمَعاً، ثُمَّ دَامت الخُطبَةُ عَامَيْن بِحَلَبَ، ثُمَّ أُعيدت الدَّعوَةُ العباسة فِي أَثْنَاء سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، إِذْ لَمْ يَنفعه المِصْرِيّون بأمرٍ، وَقصدت النَّصَارَى أَنطَاكيَة، وَنَازلُوا بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقُتِلَ بِهِ سَبْعُوْنَ أَلفَ مُسْلِم، وَنَقَلَ ابْنُ مُنْقِذ ظُهُوْر الفِرَنْج فِي هَذَا الوَقْت مِنْ بَحر قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَجَرَتْ لهم مع طاغية الروم حُرُوْب، وَعَجَزَ عَنْهُم، ثُمَّ قَالُوا: مَا نَفتحُه مِنْ بلاَد الرُّوْم، فَهُوَ لَكَ، وَمَهْمَا نَفتَحْهُ مِنْ بلاَد الشَّام، فَهُوَ لَنَا.
وَقِيْلَ: كَانُوا فِي أَرْبَعِ مائَة أَلْفٍ، ثُمَّ أخذُوا بَعْضَ بلاَد الْملك قلج رسلاَن بِالسَّيْف، فَجمعَ حينئذٍ عَسَاكِرَه، وَالتقَاهُم فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ، وَأَشرف عَلَى النَّصْر، ثُمَّ كَسرته الفِرَنْجُ، وَقُتِلَ مِنْ جُنْده خلقٌ، وَهَرَبَ وَاسْتغَاث بِمُلُوْك النَّوَاحِي عَلَى مَا دَهَمَ الإِسْلاَمَ، فَوصلت كتبُه إِلَى حلب مسخمَة مشققَة فِيْهَا بَعْض شَعْرِ النِّسَاء، وَانزعج الخلقُ، ثُمَّ تَوجَّهت الفِرَنْج إِلَى الشَّامِ، فَقِيْلَ: اعتبرُوا عِدتهُم بِأَنْطَاكِيَةَ، فَكَانُوا أَزْيَدَ مِنْ ثَلاَث مائَة أَلْف نَفْس، فَعَاثُوا وَأَخربُوا البِلاَدَ، وَتَفَرَّقُوا، وَكَبَسهُم المُسْلِمُوْنَ، وَجَرَتْ فتنٌ وَحُرُوْب لاَ يُعبَّر عَنْهَا، وَأُخِذت أَنطَاكيَة بِالسَّيْف سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَقُتِلَ صَاحِبُهَا، وَقُتِلَ أَيْضاً مِنْ كِبَارِ الفِرَنْج عددٌ كَثِيْر، وَكَانَ الأَمْر إِلَى كُندفرِي، ثُمَّ إِلَى أَخِيْهِ بغدوين وَبيمنت، وَابْن أَخِيْهِ طنكل وَصنجيل هَؤُلاَءِ مُلُوكهُم، ثُمَّ جَاءَ المُسْلِمُوْنَ نَجدَةً لأَنطَاكيَة وَقَدْ أُخِذَت، فَحَاربُوا العَدُوّ أَيَّاماً، وَانتصرُوا، وَهَلَكَ خلقٌ مِنَ العَدُوّ، وَجَاعُوا، وَجَرَى غَيْرُ مَصَافّ.