المُسْلِمَة، وَبِوَاسِط مِنَ: العَلاَّمَة أَبِي غَالِبٍ بن بِشْرَان اللُّغَوِيّ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ المُخَلِّص، ثُمَّ عَنْ أَصْحَاب أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، إِلَى أَنْ كتب عَنْ أَصْحَاب أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعَمِلَ "الجَمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ"، وَرَتَّبه أَحْسَن تَرْتِيب.
اسْتَوْطَنَ بَغْدَاد، وَأَوّل ارْتِحَاله فِي العِلْمِ كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وربعين أربع مائة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَمُحَمَّد بن طَرْخَان التُّركِي، وَيُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيُّ الزَّاهِدُ، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ صَاحِب "التَّرغِيب وَالتَّرهيب"، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَّبِي، وَالحُسَيْن بن الحَسَنِ المَقْدِسِيّ، وَصِدِّيقُ بنُ عُثْمَانَ التِّبرِيزِي، وَشيخُهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، -وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْر- وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ نَبْهَانَ الغَنَوِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بن السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّي، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن نَاصر، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ الحَدِيْث عِلْماً وَعَمَلاً وَعَقداً وَانْقِيَاداً، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أُحْمَلُ لِلسَّمَاع عَلَى الكَتِف، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنَ الفَقِيْه أَصْبَغَ بن رشد، وَكُنْت أَفهَم مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي زَيد، وَأَصلُ أَبِي مِنْ قُرْطُبَة مِنْ مَحلَّةٍ تُعْرَفُ بالرَّصَّافة، فَتحوَّل وَسَكَنَ جَزِيْرَة مَيُورْقَة، فَوُلِدْتُ بِهَا.
قَالَ يَحْيَى بنُ البَنَّاءِ: كَانَ الحُمَيْدِيّ مِنِ اجْتِهَاده يَنسخُ بِاللَّيْلِ فِي الحرِّ، فَكَانَ يَجلسُ فِي إِجَّانَة فِي مَاءٍ يَتبرَّد بِهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خُسْرو: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَيْمُوْنٍ، فَدقَّ البَاب عَلَى الحُمَيْدِيّ، وَظَنّ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَوَجَده مَكْشُوْفَ الفَخِذِ، فَبَكَى الحُمَيْدِيُّ، وَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ نَظرتَ إِلَى موضعٍ لَمْ يَنظرْه أَحَدٌ مُنْذُ عَقَلْت.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: لَمْ أَرَ مثل صديقنا أبي عبد الله الحميدي فِي نَزَاهته وَعِفَّته، وَوَرَعه، وَتشَاغُلِهِ بِالعِلْمِ، صَنّفَ "تَارِيخ الأَنْدَلُس".
وَقَالَ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّلَمَاسِي: قَالَ أَبِي: لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ الحُمَيْدِيّ فِي فَضْلِهِ وَنُبْلِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ، وَحِرْصِهِ عَلَى نَشرِ العِلْم، وَكَانَ وَرِعاً تَقِيّاً، إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ وَعِلَلِه وَروَاته، مُتَحقِّقاً بِعِلْمِ التَّحقيق وَالأُصُوْل عَلَى مَذْهَب أَصْحَابِ الحَدِيْث بِمُوَافِقَة الكِتَاب وَالسّنَّة، فَصيحَ العِبَارَة، مُتَبَحِّراً فِي علم الأَدب وَالعَرَبِيَّة وَالتَّرَسُّل.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَهُ كِتَابُ جُمل تَارِيخ الإِسْلاَم، وَكِتَابُ "الذَّهب الْمَسْبُوكِ فِي وَعظِ