ظُهُوْرهم. وَاسْتولتِ النَّصَارَى عَلَى سَائِر جَزِيْرَة صَقَلِية وَهِيَ إِقْلِيْمٌ كَبِيْر. وَكَانَتْ ملحمَة جَيَّان بِالأَنْدَلُسِ بَيْنَ الفِرَنْج وَالمُسْلِمِيْنَ وَنَصرَ اللهِ وَحُصِدَتِ الفِرَنْج. وَافتَتَح ملكشَاه اليَمَن عَلَى يَد جَنَقَ أَمِيْر التركمَان وَاسْتبَاحت خفَاجَة رَكْبَ العِرَاق فَذَهَبَ وَرَاءهم عَسْكَرٌ فَقتلُوا مِنْهم خلقاً كَثِيْراً، وَلَمْ تَقم لَهم شوكَةٌ بَعْد.
وَمَاتَ نَظَام الْملك فِي سَنَةِ "86"، ثُمَّ مَاتَ السُّلْطَان فَسَارَ مِنَ الشَّام أَخُوْهُ تُتش ليتسلطنَ وَفِي خِدمته قَسِيمُ الدَّوْلَة وَصَاحِب أَنطَاكيَة وَجَمَاعَة خطبُوا لَهُ بِمَدَائِنهُم. وَسَارَ وَأَنفق الأَمْوَالَ وَأَخَذَ الرّحبَة ثُمَّ نصِيْبين عَنْوَةً وَقَتَلَ وَعَسَفَ. وَقصد المَوْصِل فَعمل مَعَهُ صَاحِبُهَا إبراهيم بن قريش مَصَافّاً فَأُسِرَ إِبْرَاهِيْمُ وَتَمَزَّقَ جَمعُهُ وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ عَشْرَةُ آلاَف وَذُبح إِبْرَاهِيْم صَبْراً.
وَأُبِيْعَتْ مِنَ النَّهْبِ مائَةُ شَاة بدِيْنَار. ثُمَّ بَعَثَ تُتش يَطلب مِنَ الخَلِيْفَة تَقليدَ السّلطنَة. وَافتَتَح مَيَّافَارِقين وَديَار بكر وَبَعْض أَذْرَبِيْجَان فَبَادر بَرْكيَارُوْق ابْنُ أَخِيْهِ فَالتَقَوا فَخَامر قسيم الدَّوْلَة وَبوزَانُ وَصَارَا مَعَ بَرْكيَارُوْق، فَضعُف تُتش، وَوَلَّى إِلَى الشَّامِ.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ خُطبَ بِبَغْدَادَ لِلسُلْطَان بركيَارُوْق ركن الدَّوْلَة، وَعلَّم المُقتدي عَلَى تَقليده ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً مِنَ الغَدِ تغدَّى وَغسل يَدَيْهِ وَعِنْدَهُ فَتَاتهُ شَمْسُ النَّهَار فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأَشخَاص دَخَلُوا بِلاَ إِذن؟ فَارتَابَت وَتغَيَّر وَارتخت يَدَاهُ وَسقط فَظنُّوهُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَطَلبتِ الجَارِيَةُ وَزِيْرَه وَمَاتَ فَأَخذُوا فِي البَيْعَةِ لابْنِهِ أَحْمَد المُسْتظهِر بِاللهِ فِي ثَامن عشر المُحَرَّم. تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً وَكَانَ خِلاَفَتُه عِشْرِيْنَ سَنَةً وَأَخَّرُوا دَفنه ثَلاَث لَيَالٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ فَجْأَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: اسْم أُمّه عَلم. قَالَ: وَكَانَ مُحِباً لِلعلُوْم مُكْرِماً لأَهْلهَا لَمْ يَزَلْ فِي دَوْلَةٍ قَاهِرَة وَصَوْلَة باهرَة وَكَانَ غزِيْر الفَضْل كَامِل العَقْل بَلِيْغَ النَّثْر فَمِنْهُ: وَعْدُ الكُرَمَاء أَلْزَمُ مِنْ دُيُون الغُرَمَاء. الأَلْسُنُ الفصيحَة أَنفعُ مِنَ الوُجُوه الصَّبِيْحَة وَالضَّمَائِر الصَّحيحَة أَبلغُ مِنَ الأَلْسُن الفصيحة. حق الرعية لازم لِلرّعَاة وَيَقبحُ بِالوُلاَة الإِقبالُ عَلَى السُّعَاة.
وَمِنْ نَظمه:
أَرَدْتُ صَفَاءَ العَيْشِ مَعَ مَنْ أُحبّه ... فَحَاوَلنِي عَمَّا أَرُوم مَرِيْدُ
وَمَا اخْتَرْتُ بَتَّ الشَّمْلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ ... وَلَكِنَّهُ مَهْمَا يُرِيْد أُريد
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة مِنْ دَوْلَته جُدِّدت قُبَّةُ النَّسر فَاسمه عَلَى القُبَّة. وَكَانَ هُوَ خَلِيْفَةَ الإِسْلاَم فِي زَمَانِهِ لَكِن يُزَاحمُه صَاحِبُ مِصْر المُسْتنصر وَابْنُه فَكَانَ العُبيديُّ وَالعَبَّاسِيُّ مَقهورَيْنَ مِنْ وُجُوه.
وَكَانَ الدَّسْتُ لوزِيْر مِصْر أَمِيْر الجُيُوْش. وَكَانَ حُكم العِرَاق وَالمَشْرِق إِلَى السَّلجوقيَّة. وَحُكْمُ المَغْرِب إِلَى تَاشفِيْن وَابْنه. وَحُكْمُ اليَمَن إِلَى طَائِفَة. وَالأَمْر كُلُّه للهِ.