الإسماعيلية ببلاد الشام واحدا بعد آخر حتى انتهى أمرهم ببلاد الشام، وأقطعهم السلطان بدلا من قلاعهم الشامية بعض الجهات في مصر ليعيشوا فيها.
لم تكن الشام في عصر المماليك مجرد إقليم الدولة، وإنما كان أهم من ذلك بكثير. لقد كانت بلاد الشام الجناح الأيمن الذي بدونه يتعذر على دولة المماليك الاحتفاظ بكيانها وتوازنها والثبات في وجه الأخطار الأسيوية الضخمة التي هددت تلك الدولة حينا من جانب الأيوبيين والتتار والصليبيين، وأحيانا من جانب الأرمن والتركمان ثم العثمانيين.
وهكذا أدرك سلاطين المماليك منذ أن أقاموا دولتهم في مصر أنه لا بقاء لهم ولا لدولتهم إلا في ظل وحدة تربط بين الشام ومصر تحت حكمهم، وتضمن لهم مراقبة التيارات العديدة التي يمكن أن تؤثر في كيانهم1.
لقد استطاعت دولة المماليك التي قامت في مصر والشام سنة "1250م" أن تثبت أنها أعظم قوة معاصرة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، فنظر إليها حكام وشعوب الدول الإسلامية والعربية نظرة إكبار وإجلال، في حين نظرت إليها القوى الأخرى -خارج المحيطين العربي والإسلامي- نظرة خوف واحترام. وحسب دولة المماليك أنها استطاعت أن تواجه الأخطار الخارجية التي هددت الوطن العربي في الشرق في شجاعة وبأس فحمت الشام ومصر من خطر التتار، وطردت الصليبيين كلية من أرض الشام بل لاحقتهم في مراكزهم القريبة مثل أرمينية الصغرى، وقبرص، ورودس هذا فضلا عن أن نجاح سلاطين المماليك في إحياء الخلافة العباسية في مصر بعد سقوطها في بغداد جعل لهم ولدولتهم مكانة مرموقة في العالم الإسلامي أجمع، إذ جعلهم يبدون في صورة الزعماء الحقيقيين للعالم الإسلامي أجمع بوصفهم حماة الخلافة المتمتعين ببيعتها2.
ذلك هو الواقع السياسي في تلك الحقبة من الزمن في الشام ومصر.
ولا جرم أن النشاط العلمي في عصر المماليك قد ازدهر، وشجع بعض سلاطين المماليك العلم والعلماء. وقد وصف ابن تغري بردي السلطان الظاهر بيبرس بأنه كان يميل إلى التاريخ وأهله ميلا زائدا ويقول: "سماع التاريخ أعظم من التجارب"3.