وكان في كل نيابة من نيابات الشام أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، مثلما كان الحال تماما في مصر منذ أيام الظاهر بيبرس هذا فضلا عن الوظائف الأخرى المتعددة التي وجدت في كل نيابة من نيابات الشام والتي كان بعضها يتعلق بأرباب السيوف. والبعض الآخر يتعلق بأرباب القلم، والقسم الثالث يشغل الوظائف الدينية.

وعلى الرغم مما يتمتع به نواب النيابات الشامية من سلطان ونفوذ كبير إلا أنهم كانوا متابعين لسلطنة المماليك في القاهرة، وظل سلطان المماليك هو القوة الكبرى التي تسيطر على مصر والشام وتشرف إشرافا تاما على سير الأمور في مختلف أرجاء الدولة المماليكية الواسعة.

ووجدت ببلاد الشام على عصر سلاطين المماليك عصبيات عنصرية مثل الأكراد والتركمان والأرمن كما وجدت ببلاد الشام في ذلك العصر عصبيات عديدة مذهبية ودينية.

من هذه العصبيات والطوائف: طائفة الكسروانيين، وهم أهل جبال كسروان، وكانوا من النصيرية والعلويين والمتأولة، وكانوا يقفون موقفا عدائيا من المماليك أثناء الصراع بين المماليك والصليبيين بالشام. ومن هذه العصبيات والطوائف: طائفة التنوخيين، وهم عشائر اعتنقت الدرزية وانتشروا في جهات متفرقة في لبنان، وظلوا يتأرجحون بين الولاء للصليبيين حينا وللمسلمين أحيانا كما تأرجحوا بين الولاء للمماليك من ناحية وخصوم المماليك من أيوبيين وتتار من ناحية أخرى. ومنهم طائفة الشهابيين الدروز الذين اشتركوا بنجاح في قتال الصليبيين ثم التتار أثناء إغارتهم على بلاد الشام.

ومنهم طائفة الإسماعيلية ويعرفون أيضا باسم الباطنية، وقد قاموا بدور مشهور في تاريخ بلاد الشام على عصر الحروب الصليبية، ولم يتورعوا عن اغتيال كثير من الشخصيات الإسلامية والصليبية سواء. ولم يرض المماليك عن الباطنية بسبب شذوذهم المذهبي من ناحية، ثم بسبب موقفهم المائع بين الصليبيين والمسلمين من ناحية أخرى لذلك فرض السلطان الظاهر بيبرس ضرائب باهظة على الهدايا التي اعتاد أن يبعث بها الصليبيون إلى شيخ الباطنية، وذلك إفسادا لنواميس الإسماعيلية، وتعجيزا لمن اكتفى شرهم بالهدية. كما كانت طائفة الإسماعيلية تدفع الجزية للسلطان الظاهر بيبرس، وكانوا يضيقون ذرعا بما يحملونه إلى بيت المال من هذه الجزية. وكانوا يطلبون إنقاص هذا المال الذي يدفعونه. وكانت العلاقة سيئة بين السلطان وطائفة الإسماعيلية، ولكن ما لبث السلطان الظاهر أن استولى على حصون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015