شُكر: فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي غَيْرَ مُكترثٍ, فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الملكَ جَبَّارٌ عظيمٌ, مَا أَوْثِرُ لَكَ مُخَالَفَتَهُ، وَإِنِّي موصلُكَ إِلَيْهِ, فَقبِّل الأَرضَ, وَتلطَّفْ لَهُ, وَاسْتعِنْ بِاللهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: الخلقُ وَالأَمرُ لِلَّهِ. فَمَضَيتُ بِهِ إِلَى حُجْرَةٍ قَدْ جَلَسَ فِيْهَا المَلِكُ وَحدَهُ, فَأَوقفتُهُ, ثُمَّ دَخَلتُ أَسْتَأْذِنُ, فَإِذَا هُوَ إِلَى جَانِبِي، وحوَّل وَجهَهُ إِلَى دَارِ عزِّ الدَّوْلَةِ, ثُمَّ تَلاَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَة} [هُوْد: 102] . ثُمَّ حوَّل وَجهَهُ وَقرأَ {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون} [يُوْنُس: 14] . ثُمَّ أَخَذَ فِي وَعظِهِ, فَأَتَى بِالعجبِ, فدمعتْ عينُ الملكِ، وَمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قَطُّ, وَشركَ كمَّهُ عَلَى وَجهِهِ, فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو الحُسَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ المَلِكُ: اذْهَبْ إِلَيْهِ بثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ, وَعَشْرَةِ أَثوَابٍ مِنَ الخِزَانَةِ, فَإِن امتنعَ فَقُلْ لَهُ: فَرِّقْهَا فِي أَصْحَابِكَ، وَإِنْ قَبِلَهَا فَجِئْنِي بِرَأْسِهِ, فَفَعَلْتُ, فَقَالَ: إِنَّ ثِيَابِي هَذِهِ فُصِّلَتْ مِنْ نَحْوِ أربعين سنة, ألبسها يوم خروجي، وأطويها عِنْدَ رُجُوعِي, وَفِيْهَا متعَةٌ وَبَقِيَّةٌ، وَنَفَقَتِي مِنْ أُجْرَةِ دَارٍ خَلَّفَهَا أَبِي, فَمَا أَصنعُ بِهَذَا؟ قُلْتُ: فَرِّقْهَا عَلَى أَصحَابِكَ, قَالَ: مَا فِي أَصْحَابِي فَقيرٌ, فَعُدْتُ فَأَخبرتُهُ, فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي سلَّمه منَّا وسلَّمنا مِنْهُ.

قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ: كَانَ ابْنُ سَمْعُوْنَ يرجعُ إِلَى عِلْمِ القُرَآنِ وَعِلْمِ الظَّاهِرِ, متمسِّكًا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, لَقِيْتُهُ وَحضرتُ مَجْلِسَهُ, سمِعتُهُ يُسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ: "أَنَا جَلِيْسُ مَنْ ذَكَرَنِي" قَالَ: أَنَا صَائِنُهُ عن المعصية, أنا معه حيث يذكرني, وأنا مُعِيْنُهُ.

السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ ابنَ سَمْعُوْنَ, وسُئِلَ عَنِ التَّصَوُّفِ فَقَالَ: أَمَّا الاسْمُ فَتَرْكُ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا, وَأَمَّا حِقِيْقَتُهُ فَنِسْيَانُ الدُّنْيَا وَنِسْيَانُ أَهْلِهَا. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَحقُّ النَّاسِ بِالخسَارَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَهْلُ الدَّعَاوِي وَالإِشَارَةِ.

قَالَ أَبُو الحَسَنِ العَتِيقي: توفِّي ابْنُ سَمْعُوْنَ وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُوْناً فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: وَنُقِلَ ابْنُ سَمْعُوْنَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ دَارِهِ, فَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ حَرْبٍ, وَلَمْ تَكُنْ أَكفَانُهُ بَلِيَتْ فِيْمَا قِيْلَ.

قُلْتُ: نَعَمْ. الكفنُ قَدْ يقيمُ نَحْواً مِنْ مائَةِ سَنَةٍ, لأَنَّ الهوَاءَ لاَ يصلُ إِلَيْهِ فَيَسْلَمُ.

نَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ خرَافَةً لاَ تثبتُ فَقَالَ: وَقَالَ شيخ -يقال له: ابْنُ سَمْعُوْنَ- بِبَغْدَادَ: أَنَّ الاسْمَ الأَعْظَمَ لَيْسَ هُوَ فِي الأَسمَاءِ الحُسْنَى المَعْرُوْفَةِ, قَالَ: وَهُوَ سَبْعَةٌ وثلاَثُونَ حَرْفاً مِنْ غَيْرِ حُروفِ المُعْجَمِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015