وَجبَ أَنْ يرمِيَكُمْ بِتِسعَةً، وَأَنْ يَرمِيَ العَاشرَ فِيْكُمْ أَيْضاً, فَإِنَّكُم غَيِّرْتم الملَّةَ, وَقَتَلْتُم الصَّالِحِيْنَ، وادَّعَيْتم نورَ الإِلهيَّةِ, فشهرَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ, ثُمَّ أَمرَ يَهُودِيّاً فَسَلَخَهُ.

قَالَ ابْنُ الأَكفَانِيِّ: توفِّي العَبْدُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّابُلسِيِّ, كَانَ يَرَى قِتَالَ المغَاربَةِ, هَرَبَ مِنَ الرَّملَةِ إِلَى دِمَشْقَ, فَأَخَذَهُ مُتَوَلِّيهَا أَبُو محمودٍ الكُتَامِيُّ، وَجعَلَهُ فِي قفصِ خشبٍ، وَأَرسَلَهُ إِلَى مِصْرَ, فَلَمَّا وَصلَ قَالُوا: أَنْتَ القَائِلُ: لَوْ أنَّ مَعِيَ عَشْرَةَ أَسهُمٍ, وَذَكَرَ القِصَّةَ فسُلِخَ، وحُشِيَ تِبْناً وصُلِبَ.

قَالَ مَعْمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زِيَادٍ الصُّوْفِيُّ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ, أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سُلِخَ مِنْ مفرِقِ رَأْسِهِ حَتَّى بُلِغَ الوَجْهُ, فَكَانَ يذكُرُ اللهَ وَيَصْبرُ, حَتَّى بلغَ الصَّدْرَ, فَرَحمَهُ السَّلاخ, فوكزَهُ بِالسِّكِّينِ مَوْضِعَ قلبِهِ, فَقضَى عَلَيْهِ. وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ, صَائِمَ الدَّهْرِ, كَبِيْرَ الصَّوْلَةِ عِنْدَ العامَّة والخاصَّة, وَلَمَّا سُلِخَ كَانَ يُسمعُ مِنْ جَسَدِهِ قِرَاءةُ القُرْآنِ, فغَلبَ المَغْرِبِيُّ بِالشَّامِ, وَأَظهرَ المذهب الردئ، وَأَبطَلَ التَّرَاويحَ وَالضُّحَى, وَأَمرَ بِالقُنُوتِ فِي الظُّهْرِ، وَقُتِلَ النَّابُلُسِيُّ سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَكَانَ نبيلاً رَئِيْسَ الرَّمْلَةِ, فَهَرَبَ, فَأُخَذَ مِنْ دِمَشْقَ.

وَقِيْلَ: قَالَ شريفٌ مِمَّنْ يعَاندُهُ لَمَّا قَدِمَ مِصْرَ: الحَمْدُ للهِ عَلَى سَلاَمَتِكَ. قَالَ: الحَمْدُ للهِ عَلَى سلاَمَةِ دِينِي وَسلاَمَةِ دُنْيَاكَ.

قُلْتُ: لاَ يُوصَف مَا قلبَ هَؤُلاَءِ العُبَيْدِيَّةِ الدِّين ظهراً لِبَطْنٍ, وَاسْتَوْلَوْا عَلَى المَغْرِبِ, ثُمَّ عَلَى مِصْرَ وَالشَّامِ, وَسَبُّوا الصَّحَابَةَ.

حكَى ابْنُ السَّعسَاعِ المِصْرِيُّ, أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ أَبَا بَكْرٍ بنُ النَّابُلُسِيِّ بَعْدَمَا صُلبَ، وَهُوَ فِي أَحسنِ هيئَةٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ فَقَالَ:

حبَانِي مَالِكِي بِدَوامِ عزٍّ ... وَوَاعَدَنِي بقُرْبِ الانتصَارِ

وقرَّبني وَأَدْنَانِي إِلَيْهِ ... وَقَالَ انْعَمْ بعَيْشٍ فِي جِوَارِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015