أنَّ فِي الدُّنْيَا حَلاَوَةً أَلذَّ مِنَ الرِّئاسَةِ وَالوزَارَةِ الَّتِي أَنَا فِيْهَا, حَتَّى شَاهدتُ مذَاكرَةَ أَبِي القَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الجِعَابِيِّ بحضرتِي, فَكَانَ الطَّبَرَانِيُّ يغلِبُ أَبَا بَكْرٍ بكَثْرَةِ حِفْظِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يغلبُ بِفطنَتِهِ وَذكَائِهِ, حَتَّى ارتفعت أصواتها، وَلاَ يكَادُ أَحدُهُمَا يغلبُ صَاحبَهُ, فَقَالَ الجِعَابِيُّ: عِنْدِي حَدِيْثٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إلَّا عِنْدِي, فَقَالَ: هَاتِ, فَقَالَ: حدَّثنا أَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ, حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ, وحدَّث بِحَدِيْثٍ, فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ, وَمِنِّي سَمِعَهُ أَبُو خَلِيْفَةَ, فَاسمعْ منِّي حَتَّى يَعلُو فِيْهِ إِسنَادُكَ, فَخجلَ الجِعَابِيُّ, فَوَدِدْت أَنَّ الوزَارَةَ لَمْ تكن, وكنت أنا الطبران, وفرحت كفرحه، أو كما قال.
أنبئونا عن أبي المكارم, عَنْ غَانِمٍ البُرجِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبا جَعْفَرٍ بنَ أَبِي السَّرِيِّ قَالَ: لقيتُ ابنَ عُقدَةَ بِالكُوْفَةِ, فسأَلته يَوْماً أَنْ يُعيدَ لِي فَوْتاً, فَامْتَنَعَ, فشدَّدتُ عَلَيْهِ, فَقَالَ: مِنْ أَيِّ بلدٍ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَصْبَهَانَ. فَقَالَ: نَاصِبَةٌ يَنْصِبُوْنَ العدَاوَةَ لأَهلِ البَيْتِ, فَقُلْتُ: لاَ تَقُلْ هَذَا, فإنَّ فِيهِم متفقِّهَةً وَفضلاَءَ وَمتشيِّعَةً, فَقَالَ: شيعَةُ مُعَاوِيَةَ, قُلْتُ: لاَ وَاللهِ, بَلْ شيعَةُ عَلِيٍّ, وَمَا فِيهِم أَحدٌ إلَّا وَعلِيٌّ أَعزُّ عَلَيْهِ مِنْ عينِهِ وَأَهلِهِ, فَأَعَادَ عليَّ مَا فَاتَنِي, ثُمَّ قَالَ لِي: سَمِعْتَ مِنْ سُلَيْمَانَ بنِ أَحْمَدَ اللَّخمِيِّ, فَقُلْتُ: لاَ لاَ أَعرفهُ, فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ, أَبُو القَاسِمِ ببلدِكُم، وَأَنْتَ لاَ تسمع مِنْهُ, وَتُؤذِينِي هَذَا الأَذَى بالكُوْفَةِ, مَا أَعرفُ لأَبِي القَاسِمِ نظيراً, قَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ, وَسَمِعَ مِنِّي, ثُمَّ قَالَ: أَسمعتَ مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ؟ فَقُلْتُ: لاَ, قَالَ: ضيَّعْتَ الحزمَ؛ لأَنَّ منبعَهُ مِنْ أَصْبَهَانَ, وَقَالَ: أَتعرفُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نعم, قَالَ: قلَّ مَا رَأَيْتُ مثلَهُ فِي الحِفْظِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ أَحدُ الحفَّاظ المذكورينَ, حدَّث عَنْ أَحْمَدَ بنِ عبدِ الرَّحِيْمِ البَرْقِيِّ، وَلَمْ يحتملْ سنُّهُ لُقِيَّهُ, تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بِمِصْرَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ, قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ وَهِمَ فِي اسْمِ شَيْخِهِ عبدِ الرَّحِيْمِ, فَسَمَّاهُ: أَحْمَدَ, واستمرَّ وَقَد أرَّخ الحَافِظُ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ وَفَاةَ أَحْمَدَ بنِ البَرْقِيِّ هَكَذَا فِي مَوْضِعٍ, وَأَرَّخَهَا فِي مَوْضِعٍ آخرَ سنَةَ سَبْعِيْنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْهَا, وَعَلَى الحَالين فَمَا لقيَهُ, وَلاَ قَاربَ, وَإِنَّمَا وَهِمَ فِي الاسْمِ, وَحملَ عَنْهُ السِّيرَةَ النَّبويَةَ بسمَاعِهِ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هِشَامٍ السَّدُوْسِيِّ, وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ يَرْوِي عَنْ عَمْرِو بن أبي سلمة التِّنِّيْسِيِّ, وَالكِبَارِ الَّذِيْنَ لَمْ يُدْرِكْهُم أَخُوْهُ عبدُ الرحيم, ثم أننا رأينا االطبراني لَمْ يذكرْ عبدَ الرَّحِيْمِ باسمِهِ هَذَا فِي مُعْجَمِهِ, بَلْ تمَادَى عَلَى الوَهْمِ وسمَّاه بِأَحْمَدَ, فِي حرفِ الأَلِفِ, وَلهذينِ أَخٌ ثَالثٌ؛ وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ الحَافِظُ, لَهُ مؤلَّف فِي الضُّعَفَاءِ, وَهُوَ أَسنُّ الثَّلاَثَةِ, تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعينَ وَمائَتَيْنِ, وَمَاتَ عبدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ الَّذِي لقيَهُ الطَّبَرَانِيُّ وزَلَّ فِي تسمِيَتِهِ بِأَحْمَدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ