وَأَخْرَجَ تِلْكَ الدَّواوين, فَلَمْ يَزَلْ أَبُو عُمَرَ يعمِدُ إِلَى كُلِّ مَسْأَلَة وَيخرجُ لَهَا شَاهداً، وَيعرِضُهُ عَلَى القَاضِي حَتَّى تمَّمهَا, ثُمَّ قَالَ: وَالبيتَان أَنْشَدَنَاهُمَا ثَعْلب بحضرَةِ القَاضِي، وَكَتَبَهُمَا القَاضِي عَلَى ظَهْر الكِتَاب الفُلاَنِي, فَأَحضر القَاضِي الكِتَابَ فَوجَدهُمَا, وَانْتَهَى الخَبَرُ إِلَى ابْنِ دُرَيْد, فَمَا ذكر أَبَا عُمَرَ الزَّاهِد بلفظَةٍ حَتَّى مَاتَ.

ثُمَّ قَالَ رَئِيْسُ الرُّؤسَاء: وَقَدْ رَأَيْتُ أَشيَاء كَثِيْرَةً مِمَّا اسْتُنكر عَلَى أَبِي عُمَرَ، وَاتُّهِم فِيْهَا مدوَّنَةً فِي كتُب أَئِمَّة العِلْمِ، وَخَاصَّةً فِي غَرِيْب المصَنَّف لأَبِي عُبَيْد، أَوْ كَمَا قَالَ.

قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِد بن بَرهْان يَقُوْلُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي عِلْم اللُّغَة أَحدٌ مِنَ الأَوَّلين وَالآخرين أَحسنَ كَلاَماً مِنْ كَلاَمِ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِد, قَالَ: وَلَهُ كتَاب غَرِيْبِ الحَدِيْثِ, ألَّفه عَلَى مُسْنَد أَحْمَدَ بن حَنْبَل، وَلليَشْكُرِي فِي أَبِي عُمَرَ قصيدَةٌ مِنْهَا:

فَلَو أَننِي أَقْسَمْتُ مَا كُنْتُ كَاذِباً ... بِأَنْ لَمْ يَرَ الرَّاؤون حِبْراً يُعَادِلُهْ

إِذَا قُلْتَ شَارَفْنَا أَواخِر عِلْمه ... تفجَّر حَتَّى قُلْتَ هَذَا أَوائِلُهْ

مَاتَ أَبُو عُمَرَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015