قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عبَّاس بنُ عُمَرَ, سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِد يَقُوْلُ: تَرْكُ قَضَاء حُقُوق الإِخْوَانِ مَذَلّة، وَفِي قَضَاء حُقُوقهُم رِفْعَة.

قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحدٍ يحكِي عَنْ أَبِي عُمَرَ أنَّ الأَشرَافَ وَالكُتَّاب كَانُوا يحضُرُوْنَ عِنْدَهُ ليسمعُوا مِنْهُ كُتب ثَعْلَب وَغيَرهَا، وَلَهُ جُزْء قَدْ جَمَع فِيْهِ فَضَائِل مُعَاوِيَة, فَكَانَ لاَ يتْرك وَاحِداً مِنْهُم يقرأُ عَلَيْهِ شَيْئاً حَتَّى يبتدِئَ بقرَاءة ذَلِكَ الجُزْء.

وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ أَهْلِ الأَدب لاَ يوثِّقون أَبَا عُمَرَ فِي عِلْم اللغة, حتى قال لِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي الفَتْحِ يُقَال: إنَّ أَبَا عُمَرَ كَانَ لَوْ طَارَ طَائِرٌ لقَالَ: حَدَّثَنَا ثَعْلَب, عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيّ, ثُمَّ يذكر شَيْئاً فِي معنَى ذَلِكَ.

فأمَّا الحَدِيْث فرَأَيْتُ جمِيعَ شُيُوْخِنَا يوثِّقونَه فِيْهِ، وحدَّثنا عَلِيُّ بنُ أَبِي عَلِيٍّ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَمن الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يُرَ قَطُّ أَحْفَظ مِنْهُم أَبُو عُمَرَ غُلاَمُ ثَعْلَب, أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ ثَلاَثِيْنَ أَلفَ وَرقَة لغَةً فِيمَا بَلَغَنِي، وَجمِيعُ كُتُبه إِنَّمَا أَملاَهَا بِغَيْر تَصْنِيف, وَلِسَعَةَ حِفْظه اتُّهِمَ، وَكَانَ يُسْأَل عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي يُقدّر أَنَّ السَّائِل وَضعه, فيجيبُ عَنْهُ, ثُمَّ يَسأَله غَيْرُه بَعْد سنَةٍ, فَيُجِيب بجَوَابِه.

أُخبرت أَنَّهُ سُئِلَ عن قنطرة فَقِيْلَ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ: كَذَا وَكَذَا, قَالَ: فتضَاحكنَا، وَلَمَّا كَانَ بَعْد شُهُور هَيَّأْنَا مَنْ سأَله عَنْهَا فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ سُئِلْتُ عَنْ هَذِهِ مُنْذُ شُهُور وَأَجَبْتُ.

قَالَ ابْنَ خَلِّكَانَ: اسْتدْرَك عَلَى "الفَصِيْح" لثَعْلب كرَّاسًا سمَّاه: فَائِت الفَصِيْح، وَلَهُ كتَاب "اليَاقُوتَة"، وكتَاب "المُوَضّح", وكتَاب "السَّاعَاتِ"، وكتَاب "يَوْم وَليلَة"، وكتَاب "الْمُسْتَحْسن", وكتَاب "الشُّوْرَى", وكتَاب "الْبيُوع", وكتَاب "تَفْسِيْر أَسْمَاء الشّعرَاء", وكتَاب "القبَائِل", وكتَاب "المكنُوْنَ وَالمكتوم", وكتَاب "التُّفَاحَة"، وكتاب "المَدَاخل" وكتَاب "فَائِت الجمهرَة"، وكتَاب "فَائِت العينِ" وَأَشيَاء.

قَالَ الخَطِيْبُ: حَكَى لِي رَئِيْسُ الرُّؤسَاءِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ, عَمَّن حَدَّثَهُ, أنَّ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِد كَانَ يؤدِّب وَلد أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ القَاضِي, فَأَملَى يَوْماً عَلَى الغُلاَم ثَلاَثِيْنَ مَسْأَلَة فِي اللُّغَة، وَختمَهَا بِبَيْتَيْنِ قَالَ: فَحَضَرَ ابْنُ دُرَيْد وَابْنُ الأَنْبَارِيّ وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مِقْسَم عِنْد القَاضِي, فَعَرض عَلَيْهِم المَسَائِل فَمَا عرفُوا مِنْهَا شَيْئاً، وَأَنكرُوا الشّعر, فَقَالَ لَهُم القَاضِي: مَا تقولُوْنَ فِيْهَا? فَقَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ: أَنَا مَشْغُول بِتَصْنِيف مُشكل القُرْآن, وَقَالَ ابْنُ مِقْسَم: وَذكر اشتغَاله بِالقِرَاءات, وَقَالَ ابْنُ دُرَيْد: هِيَ مِنْ وَضْع أَبِي عُمَرَ، وَلاَ أَصل لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي اللُّغَة, فَبَلَغَ أَبَا عُمَرَ, فسَأَلَ مِنَ القَاضِي إِحضَارَ دَواوين جَمَاعَة عيَّنهُم لَهُ, فَفَتَحَ خَزَائِنه,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015