ثمَّ قُطِعَتْ يَدُه، ثُمَّ رِجلُه، ثُمَّ حُزَّ رَأْسُه، وَأُحرِقَتْ جُثَّتُه. وَحَضَرتُ فِي هَذَا الوَقْتِ رَاكِباً وَالجُثَّةُ تُقلَّبُ عَلَى الجمرِ، وَنُصبَ الرَّأْسُ يَوْمِيْنِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَطيفَ بِهِ. وَأَقبلَ أَصْحَابُه يَعِدُوْنَ أَنفسَهُم برُجُوعِه بَعْدَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً.

وَاتَّفَقَ زِيَادَةُ دِجْلَةَ تِلْكَ السَّنَّةَ زِيَادَةً فِيْهَا فضلٌ، فَادَّعَى أَصْحَابُه أَنَّ ذَلِكَ بِسَبِبِهِ، لأَنَّ رَمَادَهُ خَالطَ المَاءَ.

وَزعمَ بَعْضُهُم: أَنَّ المَقْتُولَ عدوٌّ لِلْحلاَّجِ أُلقيَ عَلَيْهِ شبهُه.

وَادَّعَى بَعْضُهُم أَنَّهُ -فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَعْدَ قَتلِهِ- رَآهُ رَاكباً حِمَاراً فِي طَرِيْقِ النَّهْرَوَانِ، وَقَالَ: لَعلَّكُم مِثْلَ هَؤُلاَءِ البقرِ الَّذِيْنَ ظنُّوا أَنِّي أَنَا المضروبُ المَقْتُولُ.

وَزعمَ بَعْضُهُم أَنَّ دَابَّةً حُوِّلَتْ فِي صُورتِه. وَأُحضرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الورَّاقينَ، فَأُحلِفُوا أَنْ لاَ يَبيعُوا مِنْ كُتبِ الحلاج شيئًا ولا يشتروها.

عَنْ فَارِسٍ البَغْدَادِيِّ، قَالَ: قُطعتْ أَعضَاءُ الحَلاَّجِ وَمَا تَغيَّرَ لَونُه.

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ العَطُوفِيِّ، قَالَ: قُطعتْ يَدَا الحَلاَّجِ وَرِجْلاَهُ، وَمَا نَطَقَ.

السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ: سَمِعْتُ محمد بن علي الكتاني يقول: سُئِلَ الحَلاَّجُ عَنِ الصَّبرِ، فَقَالَ: أَنْ تُقطعَ يَدَا الرَّجُلِ وَرجلاَهُ، وَيُسمَّرَ وَيُصلَبَ عَلَى هَذَا الجِسْرِ. قَالَ: فَفُعِلَ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ.

وَعَنْ أَبِي العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ -رَجُلٍ مَجْهُوْلٍ- قَالَ: كُنْتُ أَقربَ النَّاسِ مِنَ الحَلاَّجِ حِيْنَ ضُربَ، فَكَانَ يَقُوْلُ مَعَ كُلِّ سَوطٍ: أَحَدٌ أَحَدٌ.

السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ سَمِعْتُ عِيْسَى القَصَّارَ يَقُوْلُ: آخرُ كلمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ عِنْد قَتلِه: حَسبُ الوَاحِدِ إِفرَادُ الوَاحِدِ لَهُ. فَمَا سَمِعَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ فَقِيْرٌ إلَّا رَقَّ لَهُ، وَاسْتَحْسَنَهَا مِنْهُ.

قَالَ السُّلَمِيُّ: وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رُؤيَ وَاقفاً فِي الموقفِ، وَالنَّاسُ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أُنزِّهك عَمَّا قَرَفَكَ بِهِ عبَادُك، وَأَبرأُ إِلَيْكَ مِمَّا وَحَّدكَ بِهِ الموحِّدُوْنَ.

قُلْتُ: هَذَا عينُ الزَّنْدَقَةِ، فَإِنَّهُ تَبَرَّأَ مِمَّا وَحَّدَ اللهَ بِهِ الموحِّدُوْنَ الَّذِيْنَ هُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابعُوْنَ وَسَائِرُ الأُمَّةِ، فَهَلْ وَحَّدُوهُ تَعَالَى إلَّا بِكلمَةِ الإِخْلاَصِ التِي قَالَ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَهَا مِنْ قَلْبِهِ، فَقَدْ حَرُمَ مَالُهُ ودمه". وَهِيَ: شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ. فَإِذَا برِئَ الصُّوْفِيُّ مِنْهَا، فَهُوَ ملعُوْنٌ زِنْدِيْقٌ، وَهُوَ صُوفِيُّ الزَّيِّ وَالظَّاهِرِ، مُتستِّرٌ بِالنَّسَبِ إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015