مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: شَهِدتُ أَبِي يُحَدِّثُ جَدِّي وَأَنَا صَغِيْر، قَالَ: أَخذَ بِيَدِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَقْبَلَ يَخترقُ الحُجَرَ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حُجْرَةٍ، فَفَتَحَهَا، وَدَخَلْنَا، فَأَغْلَقَهَا، وَقَعَدْنَا عَلَى بَابٍ وَنَقَرَهُ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ عُوْدٍ، فَغَنَّتِ امْرَأَةٌ، فَأَجَادَت، فَطربتُ وَاللهِ، ثُمَّ غَنَّتْ، فَرَقَصْنَا مَعاً، وَخرجنَا، فَقَالَ لِي: أَتعرِفُ هَذِهِ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: عُلَيَّةُ أُخْتِي، وَاللهِ لَئِنْ لفَظْتَ بِهِ لأَقتلَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ جَدِّي: فَقَدْ لفظْتَ بِهِ، وَاللهِ لَيَقتُلَنَّكَ.

وَقِيْلَ: إِنَّ امْرَأَةً كِلاَبِيَّةً أَنشدَتْ جَعْفَراً:

إِنِّيْ مَرَرْتُ عَلَى العقِيْقِ وَأَهْلُهُ ... يَشكُوْنَ مِنْ مطر الربيع نزورا

مَا ضَرَّهُم إِذْ مَرَّ فِيْهِم جَعْفَرٌ ... أَنْ لاَ يَكُوْنَ رَبِيْعَهُم مَمْطُورَا

قَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ مَصْرَعِ جَعْفَرٍ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقِيْلَ: إِنَّ جِبْرِيْلَ بنَ بختيَشوعَ الطَّبِيْبَ قَالَ: إِنِّيْ لَقَاعِدٌ عِنْدَ الرَّشِيْدِ، فَدَخَلَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، وَكَانَ يَدْخُلُ بِلاَ إِذنٍ، فَسَلَّمَ، فَردَّ الرَّشِيْدُ ردّاً ضَعِيْفاً، فَوَجَمَ يَحْيَى. فَقَالَ هَارُوْنُ: يَا جِبْرِيْلَ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ أَحَدٌ بِلاَ إِذنٍ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَمَا بَالُنَا? فَوَثَبَ يَحْيَى، وَقَالَ: قَدَّمَنِي اللهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قِبَلَكَ، وَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ شَيْءٌ خَصَصْتَنِي بِهِ، وَالآنَ فَتُبْتُ، فَاسْتَحْيَى الرَّشِيْدُ، وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ مَا تَكرَهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ.

وَقِيْلَ: إِنَّ ثُمَامَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْكَرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ مِنْ أَمرِهِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ رَفَعَ رِسَالَةً إِلَى الرَّشِيْدِ، يَعِظُهُ، وَفِيْهَا: إِنَّ يَحْيَى لاَ يُغنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً، فَأَوْقَفَ الرَّشِيْدُ يَحْيَى عَلَى الرِّسَالَةِ، وَقَالَ: أَتعرفُ مُحَمَّدَ بنَ الليث? قال: نعم، هو منهم عَلَى الإِسْلاَمِ. فَسَجَنَهُ، فَلَمَّا نُكِبَتِ البَرَامِكَةُ، أَحضرَهُ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي? قَالَ: لاَ وَاللهِ. قَالَ: أَتَقُوْلُ هَذَا قَالَ: نَعَمْ، وَضَعتَ فِي رِجلَيَّ القَيدَ، وَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي بِلاَ ذَنْبٍ، سِوَى قَوْلِ حَاسدٍ يَكِيدُ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَيُحبُّ الإِلْحَادَ وَأَهْلَهُ. فَأَطلَقَهُ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي? قَالَ: لاَ، وَلاَ أُبْغِضُكَ. فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفٍ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي? قال: نَعَمْ. قَالَ: انْتقمَ اللهُ مِمَّنْ ظلمَكَ. فَقَالَ النَّاسُ فِي البَرَامِكَةِ وَكَثَّرُوا.

وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى دَخَلَ بَعْدُ عَلَى الرَّشِيْدِ، فَقَالَ لِلْغِلْمَانِ: لاَ تَقُوْمُوا لَهُ، فَارْبَدَّ لَوْنُ يَحْيَى.

وَقِيْلَ: بَلْ سَبَبُ قتلِ جَعْفَرٍ، أَنَّ الرَّشِيْدَ سَلَّمَ لَهُ يَحْيَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ العلوِيَّ، فَرَقَّ لَهُ، وَأَطلقَهُ سِرّاً، فَجَاءَ رَجُلٌ يَنْعتُهُ إِلَى الرَّشِيْدِ، وَأَنَّهُ رَآهُ بِحُلوَانَ، فَأَعْطَى الرَّجُلَ مَالاً.

وَقِيْلَ: بَلْ أَنشَأَ جَعْفَرٌ دَاراً، أَنْفَقَ عَلَيْهَا عِشْرِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَأَسرفَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015