عليه أبو سفيان فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ، خَرَجْتَ بِالمَرْأَةِ عَلَى رءوس النَّاسِ عَلاَنِيَةً، وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيْبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا وَمَا دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية أن ذلك على ذل أصابنا، وأن ذلك منا وهن وضعف، وَلَعَمْرِي مَا بِنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيْهَا مِنْ حاجة، ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأَصْوَاتُ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّا رَدَدْنَاهَا، فَسُلَّهَا سِرّاً وألحقها بأبيها. قال: ففعل، ثم خرج بها ليلا، بَعْدَ لَيَالٍ، فَسَلَّمَهَا إِلَى زَيْدٍ وَصَاحِبِهِ، فَقَدِمَا بها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقامت عنده.
فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الفَتْحِ، خَرَجَ أَبُو العَاصِ تاجرا إلى الشام بماله، وبمال كَثِيْرٍ لقُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَجَعَ لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ فَأَصَابُوا ما معه، وأعجزهم هاربا، فقدموا بما أصابوا. وأقبل أبو العاص فِي اللَّيْلِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَاسْتَجَارَ بها فأجارته، وجاء في طلب ماله. فلما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر وكبر الناس معه، صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ.
وَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّرِيَّةِ الَّذِيْنَ أَصَابُوا مَالَهُ فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فَإِنَّا نُحِبَّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ الله الذي أفاء عليكم، فَأَنْتُم أَحَقُّ بِهِ". قَالُوا: بَلْ نَرُدُّهُ فَرَدُّوْهُ كُلَّهُ. ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي مَالٍ مَالَهُ. ثُمَّ قَالَ: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما. قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَاللهِ مَا منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَكْلَ أَمْوَالِكُم.
ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ على النكاح الأول، لم يحدث شيئا.
ومن الأسارى: الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، أسره عبد الله بن جحش، وقيل: سليط المازني.
وقدم في فدائه أخواه: خالد بن الوليد، وهشام بن الوليد، فافتكاه بأربعة آلاف درهم، وذهبا به.
فلما افتدي أسلم، فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن يظنوا بي أني جزعت من الأسر، فحبسوه بمكة، وكان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعُو له في القنوت، ثم هرب ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وتوفي قديما؛ لعل فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فبكته أم سلمة، وهي بنت عمه: