قد أنتن في بيته ألا تدفنانه؟ فقالا: نخشى عدوى هذه القرحة. فقال: انطلقا فأنا أعينكما فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد. ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه الحجارة.
رواه محمد بن إسحاق من طريق يونس بن بكير عنه بمعناه. قال: حدثني الحُسَيْنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: حدثني أبو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: ناحت قريش على قتلاها ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم.
وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث فكان يحب أن يبكي عليهم.
قال ابن إسحاق: ثم بعثت قريش في فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فقال عمر: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا، فقال: "لا أمثل به فيمثل الله بي، وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه". فقام في أهل مكة بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحو من خطبة أبي بكر الصديق، وحسن إسلامه.
وانسل المطلب بن أبي وداعة، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، وانطلق به.
وبعثت زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا, وَقَالَ: "إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيْرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا". قَالُوا: نَعَمْ، يا رسول الله. وَأَطْلَقُوْهُ.
فَأَخَذَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْلِيَ سَبِيْلَ زَيْنَبَ, وَكَانَتْ مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ النِّسَاءِ، وَاسْتَكْتَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ذلك, وبعث زيد بن حارثة ورجلا من الانصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها. وَذَلِكَ بَعْد بَدْرٍ بِشَهْرٍ.
فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو العَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوْقِ بِأَبِيْهَا، فَتَجَهَّزَتْ فَقَدَّمَ أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا، فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقودها. فتحدث بذلك رجال، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا، فَبَرَكَ كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ لما أدركوها لذي طُوَى، فَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بنُ الأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ. فَقَالَ كنانة: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما. فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان في جلة من قريش، فقال: أيها الرجل كف عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ. فَكَفَّ فَوَقَفَ