المَعَاصِي, فَقعْ أَيُّهَا الطَّائِرُ, وَأَفِقْ أَيُّهَا السَّكْرَانُ, وَانتبِهْ أَيُّهَا الحَالِمُ, فَإِنَّكَ مَغْرُوْرٌ بِأَضغَاثِ أَحلامٍ كَاذِبَةٍ, وَفِي بَرزَخِ دُنْيَا قَدْ غَرَّتْ قَبْلَك سَوَالفَ القُرُوْنِ، فَـ: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مَرْيَمُ: 98] وَإِنَّ اللهَ لاَ يُعجِزُه مَنْ هَرَبَ, وَلاَ يَفُوْتُه مَنْ طَلبَ, فَلاَ تَغترَّ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ شِيْعَتِي, وَأَهْلِ دَعوتِي فَكَأَنَّهُم قَدْ صَاوَلُوكَ إِنْ أَنْتَ خَلعتَ الطَّاعَةَ, وَفَارقتَ الجَمَاعَةَ, فَبدَا لَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَحْتسِبُ, فَمَهلاً مَهلاً, احْذرِ البَغْيَ أَبَا مُسْلِمٍ, فَإِنَّ مَنْ بَغَى وَاعْتدَى تَخلَّى اللهُ عَنْهُ وَنَصرَ عَلَيْهِ مَنْ يَصرعُهُ لِلْيَدَيْنِ وَلِلفَمِ.

فَأَجَابَهُ أَبُو مُسْلِمٍ بِكِتَابٍ فِيْهِ غِلظٌ يَقُوْلُ فِيْهِ: يَا عَبْدَ اللهِ بنَ محمد إني كنت فِيْكُم مُتَأوِّلاً فَأَخطَأتُ. فَأَجَابَهُ: أَيُّهَا المُجرمُ تَنْقِمُ عَلَى أَخِي, وَإِنَّهُ لإِمَامُ هُدَىً, أَوضحَ لَكَ السَّبِيْلَ, فَلَوْ بِهِ اقْتدَيتَ مَا كُنْتَ، عَنِ الحَقِّ حَائِداً وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْنَحْ لَكَ أَمرَانِ ,إلَّا كُنْتَ لأَرْشَدِهِمَا تَارِكاً, وَلأَغْوَاهُمَا مُوَافِقاً تَقتلُ قَتْلَ الفَرَاعِنَةِ وَتَبطشُ بَطْشَ الجَبَّارِيْنَ ثُمَّ إِنَّ مِنْ خِيْرَتِي أَيُّهَا الفَاسِقُ أَنِّي قَدْ وَلَّيتُ خُرَاسَانَ مُوْسَى بنَ كَعْبٍ, فَأَمرتُه بِالمقَامِ بِنَيْسَابُوْرَ, فَهُوَ مِنْ دُوْنِكَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قُوَّادِي وَشِيْعَتِي, وَأَنَا مُوَجِّهٌ لِلِقَائِكَ أَقرَانَكَ, فَاجْمَعْ كَيدَكَ وَأَمرَكَ غَيْرَ مُوفَّقٍ وَلاَ مُسدَّدٍ وَحسبُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ.

فَشَاورَ البَائِسُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ فَقَالَ لَهُ: مَا الرَّأْيُ؟ هَذَا مُوْسَى بنُ كَعْبٍ لَنَا دُوْنَ خُرَاسَانَ, وَهَذِهِ سُيُوْفُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ خَلفِنَا, وَقَدْ أَنْكَرتُ مَنْ كُنْتُ أَثقُ بِهِ مِنْ أُمرَائِي!

فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! هَذَا رَجُلٌ يَضطغِنُ عَلَيْكَ أُمُوْراً مُتَقَدِّمَةً, فَلَوْ كُنْتَ إِذْ ذَاكَ هَذَا رَأْيُكَ, وَوَالَيتَ رَجُلاً مِنْ آلِ عَلِيٍّ, كَانَ أَقْرَبَ, وَلَوْ أَنَّكَ قَبِلتَ تَوْلِيَتَه إِيَّاكَ خُرَاسَانَ وَالشَّامَ وَالصَّائِفَةَ مُدَّتْ بِكَ الأَيَّامُ, وَكُنْتَ فِي فُسحَةٍ مِنْ أَمرِكَ فَوَجَّهتَ إِلَى المَدِيْنَةِ فَاختلستَ عَلَوِيّاً فَنصَّبتَهُ إِمَاماً فَاسْتملتَ أَهْلَ خُرَاسَانَ, وَأَهْلَ العِرَاقِ, وَرَمَيتَ أَبَا جَعْفَرٍ بِنَظِيْرِه لَكُنتَ عَلَى طَرِيْقِ تَدبِيْرٍ أَتطمعُ أَنْ تُحَاربَ أَبَا جَعْفَرٍ, وَأَنْتَ بِحُلْوَانَ, وَعَسَاكِرُه بِالمَدَائِنِ وَهُوَ خَلِيْفَةٌ مُجمَعٌ عَلَيْهِ? لَيْسَ مَا ظَنَنْتَ لَكِنْ بَقِيَ لَكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَى قُوَّادِكَ وَتَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا.

فَقَالَ: هَذَا رَأْيٌ, إِنْ وَافَقَنَا عَلَيْهِ قُوَّادُنَا. قَالَ: فَمَا دعَاكَ إِلَى خَلعِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ مِنْ قُوَّادِكَ؟ أَنَا أَسْتودِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ! أَرَى أَنْ تُوَجِّهَ بِي إِلَيْهِ حَتَّى أَسْأَلَه لَكَ الأَمَانَ فَإِمَّا صَفْحٌ وَإِمَّا قَتْلٌ عَلَى عِزٍّ قَبْلَ أَنْ تَرَى المَذَلَّةَ وَالصَّغَارَ مِنْ عَسْكَرِكَ إِمَّا قَتَلُوكَ وَإِمَّا أَسْلَمُوكَ.

قَالَ: فَسفَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَنْصُوْرِ السُّفرَاءُ, وَطَلبُوا لَهُ أَمَاناً, فَأَتَى المَدَائِنَ, فَأَمرَ أَبُو جعفر,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015