كرهتُ اجْتِمَاعَنَا عَلَى المَاءِ, فَيَضرُّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَجَارِيَةُ عَبْدِ اللهِ, أَرَدْتَ أَنْ تَتَّخِذَهَا? قَالَ: لاَ وَلَكِن خِفتُ عَلَيْهَا أَنْ تَضِيعَ فَحَمَلتُهَا فِي قُبَّةٍ, وَوكلتُ بِهَا. قَالَ: فَمُرَاغمتُكَ وَخُرُوْجُك إِلَى خُرَاسَانَ؟ قَالَ: خِفتُ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ دَخلَكَ مِنِّي شَيْءٌ, فَقُلْتُ: أَذْهَبُ إِلَيْهَا, وَإِلَيْكَ أَبعثُ بعُذرِي, وَالآنَ فَقَدْ ذَهَبَ مَا فِي نَفْسِكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: تَاللهِ, مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ. وَضربَ بِيَدِهِ فَخَرَجُوا عَلَيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُ: أَلستَ الكَاتِبَ إِلَيَّ, تَبدَأُ بِنَفْسِكَ? وَالكَاتِبَ إِلَيَّ تَخطُبُ أُمَيْنَةَ بِنْتَ عَلِيٍّ عَمَّتِي? وَتَزْعُمُ أَنَّكَ ابْنُ سَلِيْطِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ؟.
وَأَيضاً, فَمَا دعَاكَ إِلَى قَتْلِ سُلَيْمَانَ بنِ كَثِيْرٍ, مَعَ أَثرِهِ فِي دَعوتِنَا, وَهُوَ أَحَدُ نُقبَائِنَا?
قَالَ: عَصَانِي, وَأَرَادَ الخِلاَفَ عَلَيَّ, فَقَتلتُهُ قَالَ: وَأَنْتَ قَدْ خَالفتَ عَلَيَّ, قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْكَ. وضَرَبه بِعَمُودٍ, ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ, وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ.
وَيُقَالُ: إِنَّ المَنْصُوْرَ لَمَّا سبَّهُ, انكبَّ عَلَى يَدِه يُقَبِّلُهَا, وَيَعْتَذِرُ.
وَقِيْلَ: أَوَّلُ مَا ضَرَبَه ابْنُ نَهِيْكٍ لَمْ يَصْنَعْ أَكْثَرَ مِنْ قَطْعِ حَمَائِلِ سَيْفِهِ, فَصَاحَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ اسْتَبقِنِي لِعدُوِّكَ قَالَ: لاَ أَبقَانِي اللهُ إِذاً وَأَيُّ عَدُوٍّ أَعْدَى لِي مِنْكَ.
ثُمَّ هَمَّ المَنْصُوْرُ بِقَتلِ الأَمِيْرِ أَبِي إِسْحَاقَ صَاحِبِ حَرَسِ أَبِي مُسْلِمٍ, وَبِقَتلِ نَصْرِ بنِ مَالِكٍ الخُزَاعِيِّ, فَكلَّمَهُ فِيْهِمَا أَبُو الجَهْمِ, وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّمَا جُندُهُ جُندُكَ, أَمرتَهُم بِطَاعتِهِ فَأطَاعُوْهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ أَعْطَاهُمَا مَالاً جَزِيْلاً, وَفرَّقَ عَسَاكِرَ أَبِي مُسْلِمٍ, وَكَتَبَ بِعَهْدٍ لِلأمِيْرِ أَبِي دَاوُدَ خَالِدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى خُرَاسَانَ.
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الزّنَادقَةِ, وَالطّغَامِ مِنَ التَّنَاسُخِيَّةِ, اعتقدُوا أَنَّ البَارِي -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حَلَّ فِي أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ المَقْتُوْلِ, عِنْدمَا رَأَوْا مِنْ تَجبُّرِهِ, وَاسْتِيْلاَئِهِ عَلَى المَمَالِكِ, وَسَفكِهِ لِلدِّمَاءِ, فَأَخْبَارُ هَذَا الطَّاغِيَةِ يَطُولُ شَرحُهَا.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: قَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ بِالمَدَائِنِ, فَسَمِعتُ يَحْيَى بنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: قَتلَه وَهُوَ فِي سُرَادِقَاتِهِ -يَعْنِي: الدِّهلِيزَ- ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عِيْسَى بنِ مُوْسَى وَلِيِّ العَهْدِ فَأَعْلَمَهُ وَأَعْطَاهُ الرَّأسَ وَالمَالَ فَخَرَجَ بِهِ فَأَلقَاهُ إِلَيْهِم وَنَثرَ الذَّهَبَ فَتَشَاغلُوا بِأَخذِهِ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ فِي مَكَانٍ آخرَ: فَلَمَّا حلَّ أَبُو مُسْلِمٍ بِحُلْوَانَ, تَردَّدتْ الرُّسلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ, فَمِنْ ذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ: أَمَّا بَعْدُ, فَإِنَّهُ يَرِيْنُ عَلَى القُلُوْبِ, وَيَطبعُ عَلَيْهَا