وَكَتَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى مَرْوَانَ الخَلِيْفَةِ يُخْبِرُه بِقَتلِ ابْنِ ضُبَارَةَ, فَوَجَّه لِنَجدَتِه حَوْثَرَةَ بنَ سُهَيْلٍ البَاهِلِيَّ فِي عَشْرَةِ آلاَفٍ مِنَ القَيْسِيَّةِ, فَتَجَمَّعَتْ عَسَاكِرُ مَرْوَانَ بِنَهَاوَنْدَ وَعَلَيْهِم مَالِكُ بنُ أَدْهَمَ فَحَاصَرَهُم قَحْطَبَةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ, وَضَايَقَهُم حَتَّى أَكَلُوا دَوَابَّهُم مِنَ الجُوْعِ, ثُمَّ خَرَجُوا بِالأَمَانِ فِي شَوَّالٍ, وَقَتَلَ قَحْطَبَةُ وَجُوْهَ أُمَرَاءِ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ وَأَوْلاَدَه وَأَقبَلَ يُرِيْدُ العِرَاقَ, فَبَرَزَ لَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ, وَنَزَلَ بِقُربِ حُلْوَانَ, فَكَانَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ, وَتَقَارَبَ الجَمْعَانِ.

فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ, سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ: تَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ مَرْوَ, فَنَزَلَ بِنَيْسَابُوْرَ, وَدَانَ لَهُ الإِقْلِيْمُ جَمِيْعُه ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ, فَبَلَغَ ابْنَ هُبَيْرَةَ أَنَّ قَحْطَبَةَ تَوَجَّه نَحْوَ المَوْصِلِ, فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا بَالُهُم تَنَكَّبُونَا؟ قِيْلَ: يُرِيْدُوْنَ الكُوْفَةَ فَرَحَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ رَاجعاً نَحْوَ الكُوْفَةِ, وَكَذَلِكَ فَعَلَ قَحْطَبَةُ ثُمَّ جَازَ قَحْطَبَةُ الفُرَاتَ فِي سَبْعِ مائَةِ فَارِسٍ وَتَتَامَّ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ وَاقْتَتَلُوا, فَطُعِنَ قَحْطَبَةُ بنُ شَبِيْبٍ, ثُمَّ وَقَعَ فِي المَاءِ, فَهَلَكَ, وَلَمْ يَدرِ بِهِ قَوْمُه, وَلَكِنِ انْهَزَمَ أَيْضاً أَصْحَابُ ابْنِ هُبَيْرَةَ, وَغَرِقَ بَعْضُهم, وَرَاحَتْ أَثقَالُهُم.

قَالَ بَيْهَسُ بنُ حَبِيْبٍ: أَجْمَعَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ عَدَّيْنَا, فَنَادَى مُنَادٍ: مَنْ أَرَادَ الشَّامَ فَهَلُمَّ! فَذَهَبَ مَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ, وَنَادَى آخَرُ: مَنْ أَرَادَ الجَزِيْرَةَ ... وَنَادَى ... آخَرُ مَنْ أَرَادَ الكُوْفَةَ وَتَفَرَّقَ الجَيْشُ إِلَى هَذِهِ النَّوَاحِي فَقُلْتُ مَنْ أَرَادَ وَاسِطَ فَهَلُمَّ. فَأَصبَحْنَا بِقَنَاطِرِ المُسَيِّبِ مَعَ الأَمِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ, فَدَخَلنَاهَا يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ وَأَصبَحَ المُسَوِّدَةُ قَدْ فَقَدُوا أَمِيْرَهُم قَحْطَبَةَ ثُمَّ أَخْرُجُوْه مِنَ المَاءِ, وَدَفَنُوْهُ وَأَمَّرُوا مَكَانَه وَلَدَهُ الحَسَنَ بنَ قَحْطَبَةَ فَسَارَ بِهِم إِلَى الكُوْفَةِ فَدَخَلُوهَا يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ أَيْضاً فَهَرَبَ مُتَوَلِّيْهَا زِيَادُ بنُ صَالِحٍ إِلَى وَاسِطَ.

وَتَرَتَّبَ فِي إِمْرَةِ الكُوْفَةِ لِلْمُسَوِّدَةِ أَبُو سَلَمَةَ الخَلاَّلُ. ثُمَّ سَارَ ابْنُ قَحْطَبَةَ, وَحَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ, فَنَازَلُوا وَاسِطَ, وَعَمِلُوا عَلَى أَنْفُسِهم خَنْدَقاً, فَعَبَّأَ ابْنُ هُبَيْرَةَ جُيُوْشَه, وَالتَقَاهُم فَانْكَسَرَ جَمعُه وَنَجَوْا إِلَى وَاسِطَ.

وَقُتِلَ فِي المَصَافِّ: يَزِيْدُ أَخُو الحَسَنِ بنِ قَحْطَبَةَ, وَحَكِيْمُ بنُ المُسَيِّبِ الجَدَلِيُّ وَفِي المُحَرَّمِ: قَتَلَ أَبُو مُسْلِمٍ جَمَاعَةً, مِنْهُمُ ابْنُ الكَرْمَانِيِّ, وَجَلَسَ عَلَى تَخْتِ المُلْكِ, وَبَايَعُوْهُ وَخَطَبَ وَدَعَا لِلسَّفَّاحِ.

وَفِي ثَالِثِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ: بُوْيِعَ السَّفَّاحُ بِالخِلاَفَةِ, بِالكُوْفَةِ, فِي دَارِ مَوْلاَهُ الوَلِيْدِ بنِ سَعْدٍ. وَسَارَ الخَلِيْفَةُ مَرْوَانُ فِي مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ, حَتَّى نَزَلَ الزَّابَيْنِ دُوْنَ المَوْصِلِ, يَقْصِدُ العِرَاقَ فَجَهَّزَ السَّفَّاحُ لَهُ عَمَّه عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ فَكَانَتِ الوَقعَةُ عَلَى كُشَافٍ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ فَانْكَسَرَ مَرْوَانُ وَتَقَهقَرَ وَعَدَّى الفُرَاتَ وَقَطَعَ وَرَاءهُ الجِسْرَ وَقَصَدَ الشَّامَ لِيَتَقَوَّى وَيَلتَقِيَ ثَانِياً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015