الدَّولَةِ, قَالَ: ارْتَدَيْتُ الصَّبْرَ, وَآثَرْتُ الكِتْمَانَ, وَحَالَفْتُ الأَحزَانَ, وَالأَشجَانَ, وَسَامَحْتُ المَقَادِيرَ وَالأَحكَامَ حَتَّى أَدْرَكتُ بُغْيَتِي. ثُمَّ أَنْشَدَ:
قَدْ نِلْتُ بِالحزْمِ وَالكِتمَانِ ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذا حَشَدُوا
مَا زِلْتُ أَضْرِبُهُم بِالسَّيْفِ فَانْتَبَهُوا ... مِنْ رَقْدَةٍ لَمْ يَنَمْهَا قَبْلَهُم أَحَدُ
طَفِقْتُ أَسْعَى عَلَيْهِم فِي دِيَارِهِمُ ... وَالقَوْمُ فِي مُلْكِهِمْ بِالشَّامِ قَدْ رَقَدُوا
وَمَنْ رَعَى غَنَماً فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ ... وَنَامَ عَنْهَا تَوَلَّى رَعْيَهَا الأَسَدُ
وَرُوِيتُ هَذِهِ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَقِيْلٍ التّبعِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَثَّامٍ يَقُوْلُ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الصَّائِغُ: لَمَّا رَأَيْتُ العَرَبَ وَصَنِيْعَهَا, خِفْتُ إلَّا يَكُوْنَ للهِ فِيْهِم حَاجَةٌ, فَلَمَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِم أَبَا مُسْلِمٍ رَجَوْتُ أَنْ تَكُوْنَ للهِ فِيْهِم حَاجَةٌ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ بَلاَءً عَظِيْماً عَلَى عَرَبِ خُرَاسَانَ, فَإِنَّهُ أَبَادَهُم بِحَدِّ السَّيفِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي "تَارِيْخِ مَرْوَ": حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ رَشِيْدٍ العَنْبَرِيُّ, سَمِعْتُ يَزِيْدَ النَّحْوِيَّ يَقُوْلُ: أَتَانِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصائغ, فقال لِي: مَا تَرَى مَا يَعْمَلُ هَذَا الطَّاغِيَةُ, إِنَّ النَّاسَ مَعَهُ فِي سَعَةٍ, غَيْرَنَا أَهْلَ العِلْمِ؟ قُلْتُ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِي إِحْدَى الخَصْلَتَيْنِ لَفَعَلتُ, إِنْ أَمَرْتُ وَنَهَيْتُ يُقِيْلُ أَوْ يَقْتُلُ, وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَبسُطَ عَلَيْنَا العَذَابَ, وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ, لاَ صَبْرَ لِي عَلَى السِّيَاطِ. فَقَالَ الصَّائِغُ: لَكِنِّي لاَ أَنْتَهِي عَنْهُ. فَذَهَبَ, فَدَخَلَ عَلَيْهِ, فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ, فَقَتَلَهُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُم: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ كَانَ يَجْتَمِعُ -قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ- بِإِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ, وَيَعِدُهُ بِإِقَامَةِ الحَقِّ, فَلَمَّا ظَهَرَ وَبَسَطَ يَدَه, دَخَلَ عَلَيْهِ, فَوَعَظَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ السَّفَّاحِ, فَسَلَّمَ عَلَيْهِ, وَعِنْدَه أَخُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ, فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا مَوْضِعٌ لاَ يُؤَدَّى فيهإلَّا حَقُّكَ.
وَكَانَتْ بِخُرَاسَانَ فِتَنٌ عَظِيْمَةٌ, وَحُرُوْبٌ مُتَوَاتِرَةٌ, فَسَارَ الكَرْمَانِيُّ فِي جَيْشٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ, فَالتَقَاهُ سَلْمُ بنُ أَحْوَزَ المَازِنِيُّ؛ متولي مروالروذ, فَانْهَزَمَ أَوَّلاً الكَرْمَانِيُّ, ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِم بِاللَّيلِ فَاقْتَتَلُوا, ثُمَّ إِنَّهُم تَهَادَنُوا. ثُمَّ سَارَ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ, فَحَاصَرَ الكَرْمَانِيَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ, وَجَرَتْ أُمُوْرٌ يَطُولُ شَرحُهَا, أَوْجَبَتْ ظُهُوْرَ أَبِي مُسْلِمٍ, لِخُلُوِّ الوَقْتِ لَهُ, فَقَتَلَ