وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَكَانَتِ الشِّيْعَةُ فِي زَمَانِهِ تَتَغَالَى فِيْهِ, وَتَدَّعِي إِمَامَتَهُ, وَلَقَّبُوْهُ: بِالمَهْدِيِّ, وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: صَرَعَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ مَرْوَانَ يَوْمَ الجَمَلِ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ. قَالَ فَلَمَّا وَفَدَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ قَالَ لَهُ أَتَذْكُرُ يَوْمَ جَلَسْتَ عَلَى صَدْرِ مَرْوَانَ قَالَ عَفْواً يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: أَمْ1 وَاللهِ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أُكَافِئَكَ لَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ, عَنْ أَبِيْهِ, قَالَ: لَمَّا صَارَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ إِلَى المَدِيْنَةِ, وَبَنَى دَارَهُ بِالبَقِيْعِ, كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الوُفُوْدِ عَلَيْهِ, فَأَذِنَ لَهُ, فَوَفَدَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى دِمَشْقَ, فَأَنْزَلَهُ بِقُرْبِهِ. وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى عبد الملك في إذن العامة, فَيُسَلِّمُ مَرَّةً وَيَجْلُسُ, وَمَرَّةً يَنْصَرِفُ. فَلَمَّا مَضَى شَهْرٌ, كَلَّمَ عَبْدَ المَلِكِ خَالِياً, فَذَكَرَ قَرَابَتَهُ وَرَحِمَهُ وَذَكَرَ دَيْناً فَوَعَدَهُ بِقَضَائِهِ ثُمَّ قَضَاهُ وَقَضَى جَمِيْعَ حَوَائِجِهِ.
قُلْتُ: كَانَ مَائِلاً لِعَبْدِ المَلِكِ, لإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَلإِسَاءةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ.
قال الزبير بن كبار: سَمَّتْهُ الشِّيْعَةُ المَهْدِيَّ. فَأَخْبَرَنِي عَمِّي مُصْعَبٌ, قَالَ: قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
هُوَ المَهْدِيُّ أَخْبَرَنَاهُ كَعْبٌ ... أَخُو الأَحْبَارِ فِي الحِقَبِ الخَوَالِي
فَقِيْلَ لَهُ: أَلَقِيْتَ كَعْباً? قَالَ قُلْتُهُ بِالتَّوَهُّمِ. وَقَالَ أَيْضاً:
ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هما الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وَبِرٍّ ... وَسِبْطٌ غَيَّبَتْهُ كَرْبُلاَءُ
وَسِبْطٌ لاَ تَرَاهُ العَيْنُ حَتَّى ... يَقُوْدَ الخَيْلَ يَقْدُمُهَا لِوَاءُ
تَغَيَّبَ لاَ يُرَى عَنْهُم زَمَاناً ... بِرَضْوَى عِنْدَهُ عَسَلٌ وَمَاءُ
وَقَدْ رَوَاهَا: عُمَرُ بنُ عُبَيْدَةَ لِكَثِيْرِ بن كثير السهمي.
قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَتْ شِيْعَةُ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ السَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ:
أَلاَ قُلْ لِلوَصِيِّ: فَدَتْكَ نَفْسِي ... أَطَلْتَ بِذَلِكَ الجبل المقاما