حَذِراً مَرِساً قَارِحاً1، فلُزَّنِي2 إِلَى جَنْبِهِ, فَلاَ يَحُلُّ عُقْدَةً إلَّا عَقَدْتُهَا, وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إلَّا حَلَلْتُهَا. قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ, مَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أوتَى مِنْ أَصْحَابِي قَدْ ضَعُفَتْ نيتهم وكلوا, هذا الأشعث يقول: لا يكون فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً حَتَّى يَكُوْنَ أَحَدُهُمَا يَمَانٍ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَذَرْتُهُ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُضْطَهَدٌ3.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: حكَّم مُعَاوِيَةُ عَمْراً, فَقَالَ الأَحْنَفُ لِعَلِيٍّ: حَكِّمِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مُجَرَّبٌ, قَالَ: أَفْعَلُ. فَأَبَت اليَمَانِيَّةُ, وَقَالُوا: حَتَّى يَكُوْنَ مِنَّا رَجُلٌ, فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: عَلاَمَ تُحَكِّمُ أَبَا مُوْسَى, لَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيَهُ فِيْنَا, فَوَاللهِ مَا نَصَرَنَا, وَهُوَ يَرْجُو مَا نَحْنُ فِيْهِ, فَتُدْخِلُهُ الآنَ فِي مَعَاقِدِ أَمْرِنَا, مَعَ أَنَّه لَيْسَ بِصَاحِبِ ذَلِكَ, فَإِذَا أَبَيْتَ أَنْ تَجْعَلَنِي مَعَ عَمْرٍو فَاجْعَلِ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ؛ فَإِنَّهُ مُجَرَّبٌ مِنَ العَرَبِ، وَهُوَ قِرْنٌ لِعَمْرٍو, فَقَالَ: نَعَمْ, فَأَبَتِ اليَمَانِيَةُ أَيْضاً, فَلَمَّا غُلِبَ جَعَلَ أَبَا مُوْسَى4.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ: قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَبَا موسى، احكم ولو على حز عُنُقِي.
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ البَكْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ: أمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَدْ بَايَعَنِي عَلَى مَا أُرِيْدُ, وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ بَايَعْتَنِي عَلَى الَّذِي بَايَعَنِي لأستعملنَّ أَحَدَ ابْنَيْكَ عَلَى الكُوْفَةِ, وَالآخَرَ عَلَى البَصْرَةِ؛ وَلاَ يُغْلَقُ دُوْنَكَ بَابٌ، وَلاَ تُقْضَى دُوْنَكَ حَاجَةٌ، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِخَطِّي, فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِخَطِّ يَدِكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أمَّا بَعْدُ, فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إليَّ فِي جَسِيْمِ أَمْرِ الأُمَّةِ, فَمَاذَا أَقُوْلُ لِرَبِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ, لَيْسَ لِي فِيْمَا عَرَضْتَ مِنْ حَاجَةٍ, وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ أَتَيْتُهُ, فَمَا أَغْلَقَ دُوْنِي بَاباً، وَلاَ كانت لي حاجة إلَّا قُضِيَت.