ثُم لا بد لنا أن نسوق عن هذا الدور شذورا قليلة؛ ليشاركنا القارئ في بعض ما نَحكم به على ما قيل إذ ذاك، بعد ما نعلن إليه أن أنواع الشعر العربي كلها، نَجد لَها أمثلة فيما وقفنا عليه مِما بين أيدينا من الآثار الواصلة إلينا، ففيها المديح، والْهجاء الشخصي والسياسي، والغزل، والوصف للوقائع، والوصف لِمجالس المرح، والرثاء، والزهديات، والفخر، والاستنهاضات، ثم يوجد بين ذلك أبيات الحكمة، والتي ترسل مثلا، كل هذا موجود فيما عندنا، فلنسق ما يستلطف من بعض ذلك مُختارين. يقول مُحمد الهوزالي النابغة في مُحمد الشيخ، وفي جيشه العتيد الذي فتح به المغرب، نأتي بِها كلها، لا لأنها من نُخب ما عندنا عن ذلك العهد، بل لأنها ألَمَّت ببعض أمور تلفت النظر لا تَخفى عن لبيب:
ببيض السيوف وسمر العوالْ ... توطد أركان أس المعالْ
يرى الخائضون لغمرتها ... دماء الجروح كبنت الدوال
وعِثْير معترك قائم ... خلوقا ومسكا ودهن الغوال (?)
ألذ معانقة عندهم ... معانقة القرن عند النِّزال
وأفضل ألعوبة بينهم ... تراشقهم في الوغى بالنبال
فإن يتمنَّ أخو خور ... منادمة الشرب تَحت الظلال
تَمنوا منادمة الحرب في الـ ... ـهواجر بين شداد الرجال
إذ الرعب خام به فَزع ... أذابوا الحديد بحر الْمِصَال (?)
يزيدون في حربِهم مِرة ... إذا ما تَمادى اللقا واستطال
همُ ما همُ جند سيدنا ال ... أمِير مبيد فئات الضلال
إمام الهدى وسياج الْحِمَى ... ورب الْحسام وإلف العوال
أغاث الأنام وضيم العدو ... ينتف غثنونَهم والسبال (?)
لوى بالبلاد ومال العباد ... بَحر الجلاد ورأي ومال
فعاث عثوا عظيما فلا ... يزيد سوى جفوة ودلال
ففي كل يوم له طفرة ... وفتك بِمعمعة واغتيال
تبحبح هذي البلاد بِما ... له من جنود ومكر مُذال
تَمكن في الناس أجمعم ... فيعرك عرك الرحى للثِّفال (?)