الحقيقة الناصعة المسلمة؟ على أن المقصود الذي نريده أن ما رآه مُحمد العالِم هناك من ذيول تلك النهضة، يوجد حتى في الذي يقدمه أولئك الفقهاء من قصائدهم، وهل يعتني فقيه بالقوافي إلا إذا أكبر الأدب وأعلى شأنه، وعلم أنه مفتاح القلوب، وخير ما يقدمه ذو علم أمامه؟ وهذا الذي يقدمه هؤلاء العلماء، مع ما عند الثلاثة المتقدمين يدل بِمجموعه على ما نرمي إليه، وأما رابع أولئك الثلاثة مُحمد بن أحمد التاغاتيني ابن ذاك الشاعر الإيليغي، فإنه شاعر نشأ تَحت ظل إيليغ، وسنرى ما يتكون منه أدبه، فندرك ما هي الكتب التي تستقى منها آداب ذاك العصر، وأية طريقة يسلكونَها حتى يتمكن المتأدب في الأسلوب العربي.
أبدأ مُحمد العالِم وهذه الثلةُ وأعادوا بِمجرد ما اتصلت الأسلاك، فكأنَّما نشرت في تارودانت مَجالس ما بين الكرخ والرصافة، وعادت إلى حياتِها الأفكار العبادية الأندلسية تتجارى في ميدانِها، وقد شاءت السعود أن يبقى بعض ما دار إذ ذاك، فحفظ لنا كتابا كتبه (?) أحد الأحياء إذ ذاك في ردانة، وكان أديبا ينزل عليه أولئك الأدباء ويُخبرونه بكل ما يروج في حضرة الخليفة، وما يكون بينه وبينهم من المساجلات التي تربوا أو تَماثل على الأقل -مساجلات (?) الأديب ابن الطيب العلمي الفاسي مِمن يَحيون في هذا العصر أيضا، ففي كتاب الرداني مساجلة في وصف مَجلس أنس، وأخرى في حلبة من فرسان العبيد يتسابقون في الميدان، وأخرى في هجو أولئك العبيد يوم انتبذ الأدباء بعد خروجهم من حضرة الخليفة في منتزه كانوا فيه وحدهم، وهي من الْمُفَاكَهات العجيبة الَّتِي لا يَملك الإنسان معها نفسه ضحكا، وهيتدل على أريحية عظيمة نعتادها من الأدباء دائما، وقد شهد مُحمد العالِم لِهذا الأدب السوسي الذي شاهده بأنه غريب لا يوجد له قرين إذ ذاك في الْمَغْرب، وكل هذا يوجد في ذلك الكتاب الأدبي الْحلو الذي كتبه الرداني كجواب لفاسي اقترحه عليه فأملاه من عنده، فأبقى به صحيفة أدبية سوسية مذهبة، لا يوجد لَها في مَجموعها على الحق والإنصاف مثيل إذ ذاك في الْمَغْرب وقد كان جامع هذا الكتاب ذا حافظة قوية، يَحفظ كل ما يعجبه، فكان ذلك هو السبب حتى أمكن له أن يُملي من عند نفسه بعد هذا الوقت بنحو ربع قرن