الإشادة بالعرش السعدي، فإن بعضه في موضوعه يكون من المنفسات الغالية في عالَم الأدب، وناهيك بنونية (?) داود الوجَّاني، فإنَّها في الوصفيات قيمة بِحسب بيئتها، ويزيدها قيمة على قيمة أنَّها انفردت بوصف واقعة وادي المخازن وحدها، دون كل شعراء المغرب إذ ذاك فيما نعلم، مع أنَّهم متوافرون في أنْحاء المغرب، ولو كان غالب ما تنفثه ألسنة الأدباء السوسيين في فجر هذه النهضة كثيرا بيننا؛ لاستطعنا أن نُدرك منتهى السمو الذي كان للأدب السوسي في هذه الخطوة الأولى، على أننا نقنع بالموجود، ونكتفي بِما نفهمه من ورائه.
ثُمَّ إن الأدب قد تَجاوزت آثاره ميدان المديح، ووصف الغزوات في مبدإ هذا الدور، إلى مَجالس الأنس، ووصف ليالي الشراب، ولا أدل على ذلك من بائية موسى الوجاني التي نذكرها فيما يأتي، كما أنه تَجاوز أيضا إلى الزهديات مع احتفاظه بروعته، وفي رائية لسعيد الحامدي أحسن مثال لِهذا، وهذا ما يدل على أن هذه النهضة قد ابتدأت خطوتِها الأولى واسعة غير ضيقة، فلا نعجب إذن أن رأيناها في عنفوانِها بلغت من طروق موضوعات شتى غاية ما يُمكن لَها في تلك البيئة.
انبثقت الدويلة الإيليغية، وقد تَمكنت هذه النهضة وبلغت قوتِها، وخالطت بشاشتها كل القلوب ذوات الأريحية، فلا عجب إذا رأيناها لَم تتأثر بسقوط دولة وقيام أخرى، فإن كان لا بد من تطلب علة لذلك؛ فإن ما يُمكن أن يكون علة واضحة لذلك موجود في أن التشجيع الذي كان الأدب استمده من الدولة السعدية كان عظيما جدّا، حتى تأصلت جذوره تأصلا ثابت العروق. فلم يسهل أن يتزلزل بسرعة، ثم وجد أيضا بكل سرعة من أول يوم تشجيعا جديدا من إيليغ، ولَم يكن بين قيام إيليغ سنة 1018هـ وبين إقفال البديع، بموت الذهبي سنة 1012هـ إلا سنوات قليلة جدّا، وهناك علة أخرى يُمكن أن يعلل بها ذلك، وهي أن حب الأدب تَملك بعض الأسر، فصار الأدب كالعلم عندها، تعتني به من عند نفسها، ولعل الأسرة التَّاعَاتينية واللكوسية المانوزية والتِّيلكاتية الحامدية وأمثالِها يصدق عليها هذا.
إننا بعد ما درسنا (إيليغ) (?)، وكيف إدارتها ومعاملاتها أدركنا أنّها تتبع خطوات البديع بقدر جهدها، وأن اعتناءها بالعلم والأدب وإكبار