كانت بذور هذه النهضة من بقايا العصور المتقدمة قبل العاشر التي تَحملها الْمَجَالس الدراسية، من الآثار المفلتة من العصر المريني المزدهر بالأدب، فقد رأينا من مشيخة بسوس مِمن لا يظن بِهم أن يهتبلوا بِهذا الفن اهتبال الأدباء الأريحيين الفكهين، آثارا تدلنا على أن ذلك إنّما تسرب إليهم مِمن قبلهم، من غير أن يسووا الأجنحة التي يقتضيها الطيران في ذلك الجو، فقد رأينا من الأستاذ الأديب سيدي علي بن مُحمد التيلكاتي والد الشاعر سعيد الحامدي الشهير أثرا أدبيّا في رسالة يدل على التفوق، وكذلك من الشيخ سيدي مُحمد بن إبراهيم الشيخ التامانارتي ولوعا بِهذه الناحية، يدل عليه بعض رسائله، وأثارة من بقايا خزانته التي زرناها. وقد علمنا من التاريخ أنه ذو إنشادات يتحين بها الموضوعات التي يتحينها بها من يكون له فكر أدبي، كما علمنا أنه يحث على الكتب الأدبية أمثال المقامات الحريرية، وأنه قيوم على تدريسها، وهي -بلا مرية- لا تكون مدروسة وحدها في هذه الناحية لظواهر أخرى أدركناها من حياته، ومن بيئة ذلك العصر تقتضي انتشار دراسة كتب أدبية أخرى إزاء المقامات، ثم مع ذلك ذو آثار موجودة، وقفنا على بعضها إلى شيخه الحسن بن عثمان التملي، وقد أخذ منا العجب كل مأخذ حينما رأينا ذلك الصوفي يحاول أن يحرر في الترسل الأدبي رسالة (?) إلى هذا، فعللنا ذلك بأن شيخه كان له المنزع نفسه، فأراد تلميذه أن يطرقه من الباب الذي يولج عليه منه بلا استئذان، وكذلك رأينا من أبي بكر بن أحمد التازولتي التملي أحد تلاميذ ابن عثمان أيضا أدبا جيدا، وتَمكنا في اللغة وترسلا وشعرا، كما رأينا أيضا ما يدل على أن آخرين من أقران هذه الطبقة من الجزوليين سائرون على هذا الذوق، فمن هنا حكمنا بأن بروز هذه النهضة الأولى التي وجدها السعديون فزادوها نشاطا، ورفعوها إلى الأوج، كانت قبلهم في سوس، ولكنها لا ميزة لَها فيما نعلم، ولا كان لَها ما كان لَها بعد هذا الحين من الشفوف، والاصطباغ بصبغة خاصة، أَوَلا ترى أن مُحمدا الشيخ السعدي الذي يصلح أن يكون على الحقيقة أول أمير سعدي، كان يَحفظ ديوان المتنبي كله، وسبب حفظه إيَّاه ما كتب