التمكن في سوس أحيانا، حتى تتخذ لَها وجهة مستقلة، وحتى تُهيئ لَها في الشعب قوة يُمكن بها الاستمرار والاستقرار، ثُم الاستقلال في الفهم، كما يتبين في مثل عمل (?) عبد الله بن الحضيجي المتوفى مفتتح الثالث عشر، الذي كان في مرتبة بناني المتوفى (1195هـ)، فهو كما قدمناه لَم يرتَحل عن سوس للأخذ، ككثيرين من جزولة تَخرجوا وراء الرحلة، ثُم رأيناه يتوجه في البحث حول انتقادات بناني للزرقاني فيتتبع النقول من مصادرها ويقابل، فيحكم بغلط المنتقد، أو بصحة نقده، سالكا عين ما سلكه بعده بقليل الرهوني، فهذا هو الذي نعنيه باستقلال الفهم، وحركة علمية رسخت في جانب كسوس حتى قدرت أن تلد مثل هؤلاء، وهم غير قليلين بسوس، حركة متسعة ثابتة الأساس، ينبغي للتاريخ أن لا يَجهل مكانتها، وإن لَم يكن فيها مبرزون عالميون أو يقلون فيها على الأقل، ويكفي أن يعرف القارئ مقدار الجهود التي يبذلها الشلحي حتى يتذوق اللغة العربية وعلومها، فيعذر السوسيين إن قل فيهم مبرزون.
إيه، هل هذه العلوم لا تزال تدرس إلى اليوم (مفتتح 1358هـ)؟
الجواب: أن القطر السوسي كان دب إليه الفتور العام الذي دب إلى جَميع المغرب، بعد ما ولى صدر هذا القرن بعد (1311هـ) فلم يصل (1330هـ) حتى تضاءلت المدارس جدّا وضعفت الهمم ضعفا عظيما، ثم جاءت أهوال يعرفها كل أحد من جراء الاحتلال، زلزلت القلوب، فلم يكد يصل (1345هـ) حتى قلت جدّا المدارس العامرة، ثم جاءت المسبغة التي وقعت في هذه السنة وفي التي بعدها، فأتت على الباقي، فانقضى كل شيء، وقدر مع ذلك وفاة كبار العلماء، ثم سرى ما سرى في كل أطوار الحياة المغربية، فتأثرت مَجالس دراسة العلوم غاية التأثر، فلم تدخل سنوات (1350هـ) حتى لا تكاد تَجد مدرسة عامرة العمارة المعهودة، فلا ترى إلا البعض يكون فيها عشرة إلى عشرين، أو أدون من عشرة، ثم تزايد النقصان حتى لا أعلم في هذه السنة (1358هـ) مدرسة فيها نحو (50) من الطلبة فما فوق بقليل، إلا مدرسة أيغيلالن بقبيلة ماسجينة بسبب الأستاذ الْحَاج مسعود الوفقاوي الإلغي (?)، وأمَّا غيرها ففيها نَحو عشرة، إلى خَمْسة عشر، وإلى عشرين أو ثلاثين على الأكثر، وتوجد ثلة من المدارس العامرة عمارة ما، لَكن لا تتجاوز خَمس عشرة مدرسة فما دون، وقل أن يتجاوز ذلك العدد، وقد أقفلت أبواب الدراسة