سوس العالمه (صفحة 52)

18 - الطب:

لا تزخر دراسة هذا الفن بطبيعة الْحال -قبل العصر الحديث- إلا في الحواضر، وفي أثناء أذيال المدينة التي تَحتاج إليه غالبا، وأما في البادية حيث الجو صقيل، والْهواء صحيح، والأجسام مستقيمة، والأمزجة معتدلة، فأنى يكثر الالتفات إليه إلا عند أفراد، وهذا هو الذي وقع في سوس، فإننا لَم نعتده ذا انتشار في التأليف أو في التدريس إلا قليلا، فأول من عرفنا له فيه مؤلفا: حسين الشوشاوي الراسلوادي، وهو من أهل التاسع، ثُم أحمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي، ومُحمد بن علي البعقيلي صاحب (الطب البعقيلي) الشهير، وكلاهُما من أهل الحادي عشر، ثُم لأحمد بن سليمان الرسْموكي الفرضي، وهو من أهل الثاني عشر، وحوالي هذا الحين كما نظن كان تأليف كتاب طبي بيد بعض الأزاريفيين، ثم جاء الباقعة الغريب الشأن أحمد ابن الشيخ الحضيكي، حافظ التذكرة للأنطاكي وكتاب الزهراوي (?) حفظا، حتى ليحدث عن لفظهما بلسانه عن ظهر قلب في درس الفن، فكان مما يدرسه مؤلف ابن سينا في الطب بشرح ابن رشد، وكان مولعا بِهذا الفن، حتى أدرك فيه الغاية، ونرى أنه فريد من مفاخر المغرب من هذه الناحية، وقد ذكر كل هذا بعض من أخذوا عنه (?)، ورأينا أيضا أحمد التاهالي الرحالة أتقن الطب، وامتاز به بين معاصريه كالمتقدم، وهُما معا أدركا أول الثالث عشر، ثم انطوى الفن، ولَم نرَ له ذكرا في التدريس أو في التأليف، إلا أن بعض أناس يذكرون بالتطبب، حتى أن منهم من يتسلسل فيهم أبا عن جد؛ كأبناء مُحمد بن سعيد الكرامي، المشهور بإتقان هذا الفن، من أهل مُختتم التاسع، وربما كان المذكورون أخيرا بالطب؛ كالحاج ياسين الوَسخيني، إنَّما يستقون مِما هناك من بعض الكتب ومن التجارب، لا من الدراسة المنظمة، وقد كان للشيخ الإلغي ولوع بِهذا الفن، فافتتح فيه مؤلفين: أحدهما بالعربية، والآخر بالشلحية، شغل عن السير فيهما كثيرا، أو كان الثاني تاما، لكننا لَم نقف عليه، وكان من أكثر معاصريه استحضارا للأدوية المفيدة في كل داء رآه، مع إكبابه على مراجعة كتب الفن، وخزانته زاخرة بكتب الطب على أنواعها، وللحاج عبلا -عبد الله- الإلغي، والد الأساتذة، يد طولى عملية لا علمية فنية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015