بن العربي الأدوزي، وابن مسعود، وكثير من المتأخرين، ومُجمل القول: إن هذا الفن لَم يزل متداولا في تدريسهم، ولَم ينقطع قط حتى في العصر الأخير الذي انقطعَ فيه في بعض الحواضر الكبرى، غير أن اعتناءهم بذلك -والْحَق يُقال- يظهر أنَّهم لا يَمنعون كثيرا إلا بِمقدار ما عندهم من الفنون؛ ولذلك قل المبرزون فيه والمؤلفون (?)، وإنَّما شاعَ تعاطيه فقط بينهم، ولَم يلقوه ظهريا.
هذان العلمان الشريفان لَهُمَا ما لَهُما من قديم عند المسلمين قاطبة، وإذا علمنا أننا لَم نرَ نَهضة علمية كبرى بسوس إلا في القرن التاسع، وهو الذي في آخره بدأ تقلص الاعتناء بِهذين الفنين الجليلين في غالب العالَم الإسلامي الْمُتحضر، لا يطول عجبنا إن لَم نر من بين السوسيين البدويين حُفَّاظا مُحدِّثين كبارا، مع أنَّهم في الحفظيات يبْرَعون فَلَم يبق حينئذٍ إلا ما كان اشتهر مثله.
وذاع في كل بلاد الإسلام -إلا قليلا- من تعاطيهما (?) فقط، فهذا هو الموجود في مَجالس الدراسة بسوس، فمؤلفاتِهم وفهارسهم تشهد بِهذا، وقد اعتادوا كثيرا -لَمَّا ضعف هذا الفن جدّا حتى في فاس وأمثالِها- أن يسردوا الكتب: مسلما، والبخاري، والموطأ، والجامع الصغير، والخصائص الكبرى والصغرى، وما إلى ذلك كالشفاء الممتلئ بالْحَديث حتى كأنه كتاب حديثي صرف، فقد اتصلت في سوس هذه الحلقات من التاسع إلى الآن، بل من أيام أبي يَحْيَى الجرسيفي في السابع الذي يصفونه أيضا بالبراعة في الحديث كالتفسير، وقد عرفنا سعيدا الكرامي من أهل التاسع مستحضرا للحديث، يدل على ذلك ما رأيناه في كتبه الفقهية التي يَمزجها بالحديث، ثُم لا تَمر برجال من كل قرن إلا وجدت منهم اعتناء، بل هناك أناس قليلون بارزون كبروز قليلين من أمثالِهم في الحواضر المغربية المعاصرين لَهم؛ كعبد الله بن المبارك الأقاوي، والنابغة الهوزالي الأديب، وأبي بكر بن يوسف السجتاني، وابن سليمان الروداني صاحب المؤلفات الشتى في الحديث، التي منها الجمع بين الكتب الستة (المطبوع)، ومُحمد بن إبراهيم اليعقوبي التاتلتي، ثم التاجر جوستي، فولده مُحمد بن مُحمد، وأحمد الصوابي، الذي قيل فيه أنه آخر مُحدثي سوس، والحضيكي الذي له في هذا