أمثالَهم، في تلك القرون اندفعوا فَخالطوا في الميدان، ثُمَّ لَم يكن كل واحد منهم إلا مجليّا، تزخر ترجمته بِما تزخر به تراجم أقرانه من المغاربة الحضريين وغيرهم إذ ذاك وفي اليوم، واليوم أقرب ما يُقاس عليه أمس، طلع العصر الْحَديث، فلم تكد بارقة تومض في جو الحواضر حتى كان لسوس حظ من التفكير الْحَي الْمُتزايد مع الزمان، على حين أن نواحي من أطراف المغرب، كانت قبل مشهورة بالعلم كسوس أو أكثر؛ مثل درعة وتافيلالت، لزمت اليوم نوم عبود، فلا يسمع لَها ركز يدل على أن سلكا كهربائيا من التفكير وصلها.
كذلك تَمشت العلوم العربية في سوس تلك القرون متماسكة الْحَلقات متسلسلة تَحوطها جهود، وتبعثها قرائح، ويذكيها فكر وَقَّاد، ويَمدها الشعب والعرش بتنشيط مادي وأدبي عظيمين كما تقدَّم. ومَحافل فاس ومراكش والأزهر ثم تَامْجرُوت والزاوية الدلائية في الأجيال قبل الأخيرة، تلقح الأفكار، وتأخذ بالمقاويد من النبغاء، حتى ينالوا قصبات السبق، ولَم يزل ذلك كله في شفوفه إلى أن ولى صدر القرن الثالث عشر، فدب إليه ذبول، وخالطه بعض فتور، بعد ما انقرض أصحاب الحضيجي، الذين كانوا وحدهم أساتذة التدريس الذي كثر النفع به، وكانوا آخر من درسوا كتبا وفنونا في سوس، ثُم لَم نر لَها بعدهم ذكرا.
شاء السعد أن لا تذبل الزهرة بِهذه السرعة، فأحيا ما أحيا بالْمَدرسة الهوزيوية، ثُم التِّيمجيدشْتِيَّة، واليعقوبية الإِيلالْنِيَّة، والجِشْتِيمِيَّة، والأدوزية، والحسينية الططائية، فأدركت بِجهودها أن تبقى الذماء في فنون أقل مما كان قبلها، وأن تنعش ثانيا الروح العلمية الملففة في روح التصوف، فرأينا تراجعا إلى الميدان الأدبي من المدرسة الهوزيوية، بأحمد وبالشاعر محمد بن أحمد بن إبراهيم صاحب (الديوان) (?)، ثُم شاهدنا المدارس الْمُحمدية الْهشتوكية، والعمرية الْهشتوكية، والإِجْرَارِيَّة، والأدوزية، والبونعمانية، والبوعبدلية، والإيرازانية الراسلواديَّة، واليوفتركائية، والبوشواريَّة، ثُم الإلغية وأمثالَها، فقد زخرت بالعلوم، فرجع النشاط إلى الفقه والفرائض والْحِسَاب والنحو وعلم الأدب عند البعض في فنون قليلة غيرها، فأمكن للعلم العربي السوسي أن يتحرك ثانيا بعض التحرك، وأن يُحاول النهوض، لولا ما عراه من الخمود الساري على كل العلم العربي بالمغرب، منذ صدر الثالث عشر وكان للتيمكدشتيين في هذا الطور تاج