سوس العالمه (صفحة 23)

رده موفور الكرامة، مقضي كل الحاج، وأمثال هذه المعاملات لا تترك إلا القلوب الصافية، والسرائر الطاهرة، وهل يملك الإنسان إلا بعواطف الإحسان؟

ثم لَمَّا رَحل المولى الحسن إلى سوس رحلتيه سنة (1299هـ) وسنة (1303هـ) لاقى كل العلماء بتجلة ما مثلها تجلة، فأجاز وكتب الظهائر للقضاة، وقدَّم أرباب العلم على أرباب الرياسة، فتأتى له بذلك أن تفتحت له كل الأبواب، وغمرت مَحبته كل جوانح الأهالي، ولا ريب أنه أدرك أن بالمحاسنة لأمثالِهم قضاء أغراض شتى، أهمها إذ ذاك عنده الهدوء والانقياد ولو ظاهرا، حتى قال لنا من حضر إذ ذاك إنه لا يولي قائدا حتى يسأل عنه علماء سوسيين، يَحضرون دائما معه في ركابه هناك، في مقدمتهم سيدي أحمد بن إبراهيم السملالي ونظراؤه، ومثل هذا يسترق الإنسان، لا إنه يكسوه حلة الإخلاص فقط.

كان المولى الْحَسن حين انتصب خليفة لوالده على الجنوب رَحل إلى سوس نَحو (1280هـ) فوجد أمامه الحسين بن الْهَاشم التازاروالتي مستأسدا، يَهم بأمور كما زعموا، فأبى أن ينقاد، بل هم -كما يقال- بِمناوأته، فأمر كاتبه الفقيه الأستاذ مُحمد بن عبد الله الأساكي الإفراني أن يكتب جوابا عن رسالة وردت من المولى الحسن، وأن يغلظ فيه القول، فقال له الأستاذ: لا والله ما أنا بفاعل، أتريد أن أهد ديني بيدي، فأي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن أسأت إلى ابن أميري وابن أمير المسلمين، فراجعه الحسين متشددا، فقال له: كف عني، فوالله لو خيرت بين قطع يدي وبين ارتكاب هذا؛ لاخترت قطع يدي، وهذه تبين لنا من هو العالِم الجزولي، ومن هو الرئيس الجزولي في الانقياد للعرش. ومن هنا نَجد السبب في الاتكال الكثير الذي يكون للعرش على أمثال هؤلاء العلماء، ثم لا يكون منه مثله للرؤساء، وهذه حقائق لا مرية فيها، وهناك مَجموعة (?) قصائد سوسية، قيلت في مولاي الحسن ولي العهد إذ ذاك، وهو في سوس.

فبمثل هذه المعاملات من الأمراء العلويين، أحرز العلماء السوسيون ما أحرزوه، فنشطوا إلى ما هُم بصدده؛ من بث العلم ورفع راية الإرشاد، والناس من ورائهم يَمشون، والسيادة الدنيوية تتشبث بأذيالِهم، وهُم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015