فالمغرب الأقصى جَميعا ناظر ... يوما تَجول عليه منك يَمين
فيرى العدالة كيف كانت والْهُدى ... والعز بالإسلام كيف يكون
والعلم كيف يكون نشر ضيائه ... في الناس حتى يعلم الْمسكين (?)
ثُمَّ جاءت الدولة العلوية السعيدة، فكانت سعد السعود على السوسيين، فقد تكاثرت المدارس، وزخرت بالطلبة، حتى أن معظم المدارس السوسية لا نراها أسست إلا في هذا العهد، فقد لاقى العلماء السوسيون في كل مناسبة ممن تسنموا العرش العلوي تنشيطا واحتراما زائدا، والبدوي الْحُر الأنوف قد يقوم التنشيط الأدبي عنده مقاما لا يُدركه التنشيط المادي، فتمشوا في ظلها الوريف، كما كانوا يتمشون في الدولتين قبلها، فكانت لَهم أولا جولة نظنها متسعة مع ابن محرز أميرهم العلوي ما شاء الله، ثم رأينا آخرين يتصلون بالمولى إسماعيل فيلاقونه بقواف طنانة، ثم كان اعتناء مُحمد العالِم بكل علماء جزولة الذين فتح لَهم الباب على مصراعيه، ويستقدمهم لِمجلسه الْخَاص، ثُم يُجيزهم بِجوائز كثيرة، مع تَحرير قراهم من الكلف المخزنية -مظهرا من تلك المظاهر الشتى التي دامت للعلماء السوسيين تَحت كنف هذه الدولة السعيدة، ولَم يكن اعتناء محمد العالِم مُختصا بالعلماء أرباب الفنون فقط، بل كانت له لفتة -لعلها أكبر من أختها- إلى الأدب وأهله، حتى أنه لَمَّا صادف في الأدب السوسي ما أعجبه؛ قال كلمته الخالدة: «إني لَم أفرح بقيادة سوس، كما فرحت بوجود مثل هؤلاء الأدباء فيه». وقد شاء السعد أن تبقى نفحة تاريخية تدل على هذا الاعتناء العظيم بالعلم والأدب في عهد مُحمد العالِم، فحفظ لنا كتابا نعرف منه ما لم يكن لنا قط في حسبان، ولو شاء الله أن يطول ذيل هذا العهد السوسي في القرن الثاني عشر؛ لأبقى هذا الأمير العالم الأديب، حتى ينتعش الأدب، ويسترد قوته التي فقدها منذ ثل عرش (إيليغ)، وحتى يزداد العلم به رقيّا، ولكن العين التي لَم تُغادر ابن المعتز العالِم الأديب، ووزيره العالِم الأديب، وقاضيه العالِم الأديب، أبت أن تغادر مُحمدا العالِم الأديب للأدب الجزولي، حتى يرتفع به شأوه كرة أخرى إلى أعلى عليين، فيلحق أيضا فن الأدب بالفنون الأخرى التي لا تزال تزدهر إذ ذاك، ولكن إن ذهب مُحمد العالِم وعصره؛ فقد بقيت شهادته شهادة