ثُمَّ جَاء القرن الْحَادي عشر (?) بزبدة علمية عالية فطاحل العلماء، عادت فتاويهم قوية غير ضعيفة، ولو عاش عبد الله بن عمر المضغري؛ لرجع عن وصفه أهل سوس بضعف الفتاوي، وقد رد عليه أهل هذا العصر (?) بالْحَال والْمَقال، وناهيك بشيخ الْجَماعة: عيسى السكتاني، وعبد الله بن يعقوب السملالي، وعلي بن أحمد الرسموكي وسعيد الهوزالي، ومحمد بن سعيد المرغيتي الأخصاصي، ومحمد بن مُحمد التامانارتي، مفتين أقوياء الفتاوي، إلى فتاويهم يصار عند الاختلاف (?).
ثُمَّ جاءت دويلة (إيليغ) فأخذت بضبع العلم والأدب اقتداء (بالبديع) (?)، فأسندت المناصب القضائية في كل قبيلة إلى مستحقيها، وتستقدم إليها من تتزين (?) بِهم مَحافلها، وتعمر بِها مَجالس التدريس في مساجدها، فاتَّخذهم موضع الشورى، وأرباب المسامرة (?)، وقد تتبعت خطوات (البديع)، أو فاقتها في احترام العلم وأهله؛ بسبب البساطة التي كان لَها منها ما لَم يعهد مثله في (البديع) نحو العلماء، وللبساطة في هذا المقام ما ليس للألمعية الداعية إلى أن يفعل كل شيء سياسة، لا تدينا ولا تقربا إلى الله بذلك عن إخلاص.
وكما أشادت بالعلماء أشادت بالأدباء، فرأينا الشعراء الجزوليين يشيدون بِمجد إيليغ (واللُّهَى تفتح اللَّهى) وما كان العلماء والأدباء في حلبة إلا خلدوها، وقادوها إلى الفوز المبين، وجَميل الذكر الخالد، وقد حفظ التاريخ من أقوالِهم (?) قطعا وقصائد ومن تآليفهم (?) المتنوعات في الفنون ما يدل على ما لذلك الوسط من بلاغة في القول، وتَمكن في العلوم، وسمو في الفهوم، حتى قال قائل في مدح أمير (إيليغ) من قصيدة:
رِدِ المَساجدَ والمدارسَ كَالرِّيَا ... ضِ وَقَدْ غَدَتْ مِنْ قَبْلِهِ كَالْبَلْقَعِ (?)
فصدق من إيليغ ما كان أحد الشعراء ذكره من قصيدة ألقاها يوم بيعة بُودْمِيعَةَ: