ينبغي الإقدام عليه دون أن تقوم على قصده لقطع المودة بينة واضحة؛ ذلك أن المرء لا يخلو ـ وهو معرض للغفلة والخطأ ـ أن يخل بشيء من واجبات الصداقة.
فإن كنت على ثقة من صفاء مودة صديقك ـ أقمت له من نفسك عذرا، وسرت في معاملته على أحسن ما تقتضيه الصداقة.
فإذا حام في قلبك شبهة أن يكون هذا الإخلال ناشئا عن التهاون بحق الصداقة ـ فهذا موضع العتاب؛ فالعتاب يستدعي جوابا، فإن اشتمل الجواب على عذر أو اعتراف بالتقصير ـ فاقبل العذر، وقابل التقصير بصفاء خاطر، وسماحة نفس.
وعلى هذا الوجه يحمل قول الشاعر:
أعاتب ذا المودة من صديق ... إذا ما رابني منه اغتراب
إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقي العتاب1.
ومما يدلك على أن صداقة صاحبك قد نبتت في صدر سليم أن يجد في نفسه ما يدعوه إلى عتابك، حتى إذا لقيته بقلبك النقي وجبينك الطلق ـ ذهب كل ما في نفسه، ولم يجد للعتاب داعيا.
كما قال أحدهم:
أزور محمدا وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور
فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير2.