وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا التوجيه الأبوي مثلا، وهو البهيمة الحيوانية التي تولد كاملة الخلقة لا ينقص منها شيء، حتى تمتد إليها يد الإنسان، فتشق أذنها - مثلا - أو تقطع منها قطعة، دفعها إلى هذا القطع أو الشق لها عقيدة كامنة في نفس صاحبها، ورثها ممن قبله، مثل البحيرة والسائبة، أو يفعل بها ذلك ليميزها - بما فعل - عن غيرها من بقية نظيراتها، حتى لا تشتبه بغيرها، وهو مثل صادق تماما على أصل خلقة الإنسان.
وكلمة "الفطرة" مأخوذة من أصل فطر، بمعنى خلق وشق.
فمن ورود الفطر بمعنى الخلق والإيجاد قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (?) أي خلقني وحده لا شريك له، وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (?) أي خالقهما ومبدعهما، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (?) أي لا أعبد الأوثان التي تعبدونها، وإنما أعبد الله الذي خلقني وحده، فلا أشرك في عبادته أحدا، فجعل كلمة التوحيد باقية مستمرة في عقبه وذريته إلى يوم القيامة.