عَفَوْنَا وأمننا لما بدر مِنْهُ إِلَّا البساسيري فَإِنَّهُ لَا عهد لَهُ وَلَا أَمَان وَهُوَ موكول إِلَى الشَّيْطَان وَقد ارْتكب فِي دين الله عَظِيما وَهُوَ إِن شَاءَ الله مَأْخُوذ حَيْثُ وجد ومعذب على مَا عمل وسعي فِي دِمَاء خلق كثير بِسوء دخيلته وإدارة أَفعاله على فَسَاد عقيدته وَكتب فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا وصل الْكتاب إِلَى قُرَيْش بن بدران استعلم عَن أَخْبَار الْملك طغرلبك من الرُّسُل وَغَيرهم فَإِذا مَعَه جنود عَظِيمَة فخاف من ذَلِك خوفًا شَدِيدا وَبعث إِلَى الْبَريَّة وَأمر بِحَفر أَمَاكِن للْمَاء وتجهيز علوفات كَثِيرَة إِلَى هُنَالك وأنفذ الْكتاب إِلَى البساسيري فانزعج البساسيري لذَلِك وخارت قوته وَضعف أمره وَبعث إِلَى أَهله فنقلهم من بَغْدَاد وأرصد لَهُ إقامات عَظِيمَة بواسط وَجعلهَا دَار مقره وَوَافَقَ على عود الْخَلِيفَة إِلَى بَغْدَاد وَلَكِن اشْترط شُرُوطًا كَثِيرَة ليذْهب خجله وترحل قُرَيْش بن بدران إِلَى أَرض الْموصل وَبعث إِلَى حَدِيثَة عانة يَقُول لأميرها مهارش بن مجلي الَّذِي سلم إِلَيْهِ الْخَلِيفَة الْمصلحَة تَقْتَضِي أَن تحول الْخَلِيفَة إِلَيّ حَتَّى نستأمن لأنفسنا بِسَبَبِهِ فَلَا نسلمه حَتَّى نَأْخُذ لأنفسنا أَمَانًا وَيكون فِي يدك دون يَدي فَامْتنعَ عَلَيْهِ مهارش وَقَالَ قد غدر بِي البساسيري فِي أشياءَ وَعَدَني بهَا فَلم أرها وَلست بمرسله إِلَيْك أبدا وَله فِي عنقِي أَيْمَان كَثِيرَة لَا أغدر بهَا وَكَانَ مهارش رجلا صَالحا ثِقَة أَمينا فَقَالَ للخليفة من الْمصلحَة أَن نسير إِلَى بلد بدر بن مهلهل وَنَنْظُر مَا يكون من أَمر السُّلْطَان فَإِن ظهر دَخَلنَا بَغْدَاد وَإِن كَانَت الْأُخْرَى نَظرنَا لأنفسنا فَإنَّا نخشى من البساسيري أَن يعود فيحصرنا فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة افْعَل مَا فِيهِ الْمصلحَة فسارا فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة إِلَى أَن حصلا بقلعة عكبراء فَتَلَقَّتْهُ رسل الْملك طغرلبك بالهدايا الَّتِي كَانَ أنفذها إِلَيْهِ وَهُوَ متشوق إِلَيْهِ كثيرا وَجَاءَت الْأَخْبَار بِأَن السُّلْطَان طغرلبك دخل بَغْدَاد وَكَانَ يَوْمًا مشهودا غير أَن الْجَيْش نهبوا بَغْدَاد سوى دَار الْخَلِيفَة وصودر خلق كثير وشرعوا فِي عمَارَة دَار الْملك وَأرْسل السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة مراكب كَثِيرَة من أَنْوَاع الْخُيُول وَغَيرهَا