بالكرخ نثروا عَلَيْهِ خلقان المداسات وبصقوا فِي وَجهه ولعنوه وسبوه فَأوقف بازاء دَار الْخلَافَة وَهُوَ فِي ذَلِك كُله يَتْلُو قَوْله تَعَالَى {قُلِ اَللَهُمَ ماَلِكَ اَلملك} الْآيَة آل عمرَان 26 ثمَّ لما فرغ من الطّواف بِهِ فِي الْبَلَد وأعيد إِلَى الْعَسْكَر ألبس جلد ثَوْر بقرنيه وعلق بكلاب فِي شدقيه وَرفع إِلَى الْخَشَبَة حَيا فَجعل يضطرب إِلَى آخر النَّهَار فَمَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ آخر كَلَامه أَن قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أحياني سعيداً وأماتني شَهِيدا ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وبغداد فِي قَبْضَة البساسيري يخْطب فِيهَا للخليفة الْمُسْتَنْصر الفاطمي والقائم قَاعد ب حَدِيثَة عانة ثمَّ لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر صفر أحضر البساسيري قَاضِي الْقُضَاة أَبَا عبد الله الدَّامغَانِي وَجَمَاعَة من الْوُجُوه والأعيان من العلويين والعباسيين وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للمستنصر الفاطمي ثمَّ دخل دَار الْخلَافَة وَهَؤُلَاء المذكورون مَعَه وَأمر بِنَقْض تَاج دَار الْخلَافَة فنقضت بعض الشراريف ثمَّ قيل لَهُ إِن ترك الْفَتْح فِي هَذَا الْأَمر من الْمصلحَة فَتَركه ثمَّ ركب إِلَى زِيَارَة المشهد وَأمر بِأَن تنقل جثة ابْن الْمسلمَة إِلَى مَا يُقَارب الْحرم الظَّاهِرِيّ وَأَن ينصب على دجلة وكتبت أم الْخَلِيفَة وَكَانَت عجوزاً كَبِيرَة قد بلغت التسعين وَهِي مختفية فِي مَكَان إِلَى البساسيري تَشْكُو إِلَيْهِ الْفقر وَالْحَاجة وضيق الْحَال فَأرْسل إِلَيْهَا ونقلها إِلَى الْحَرِيم وأخدمها جاريتين ورتب لَهَا كل يَوْم اثْنَي عشر رطلا من خبز وَأَرْبَعَة أَرْطَال من لحم وَلَا يَفِي هَذَا بقيراط مِمَّا فعله بِوَلَدِهَا وبأهل السّنة وَكَانَ وُقُوع هَذَا الْوَاقِع وَالسُّلْطَان طغرلبك أَبُو طَالب مُحَمَّد بن مِيكَائِيل بن سلجوق غَائِب لقِتَال أَخِيه إِبْرَاهِيم بن مِيكَائِيل فَلَمَّا ظفر بِهِ وأسره وَقَتله وَتمكن فِي أمره وَطَابَتْ نَفسه وَاسْتقر حَاله وَلم يبْق لَهُ بِتِلْكَ الْبِلَاد مُنَازع سمع بِهَذَا الْوَاقِع فَكتب إِلَى قُرَيْش بن بدران أَمِير الْعَرَب يَأْمُرهُ بِأَن يُعَاد الْخَلِيفَة إِلَى دَاره على مَا كَانَ عَلَيْهِ وتوعده على ترك ذَلِك بَأْسا شَدِيدا فَكتب إِلَيْهِ قُرَيْش يتلطف بِهِ ويسأله وَيَقُول أَنا مَعَك على البساسيري بِكُل مَا أقدر عَلَيْهِ حَتَّى يُمكن الله مِنْهُ