واعلم ان اختلاف المذاهب في هذه الملّة رحمة كثيرة وله سِرٌّ لطيف مستنبط من حديث ورد فيه (?). وكان اختلاف الأمم السّالفة عذابا وهلاكاً فعرف أنه في هذه الملّة خصيصة فاضلة لها. ذكره بعض المنصفين ممن كَتَبَ المناقب.

وروي أن أبا الحسن الأشعري (?) كان قد أخذ عن الجُبّائي (?) وتبعه في الاعتزال وأقام سنين إلى أن شرح الله صدره بإتباع الحقّ ثم رجع وصنّف كتباً على مذهب أهل السُّنة ودفعها إلى الناس (?)، وكان صاحب نظر وإقدام، وكان الجُبَّائي صاحب قلم وتصنيف، إلا أنه لم يكن قوياً في المناظرة.

قال أبو سهل الصعلوكي (?): حضرنا مع أبي الحسن مجلس علويّ بالبصرة فناظر المعتزلة وكانوا كثيراً فأتى على الكل فهزمهم، كلما انقطع واحد تقارب الآخر حتى انقطعوا عن آخرهم فعدنا في المجلس الثاني فما عاد منهم أحد، فقال بين يدي العلوي: ياغلام أكتب على الباب فَرّوا.

وقال الإمام أبو بكر الصيَّرفي (?): كانت المعتزلة قد رفعوا رؤسهم حتى أظهر الله الأشعري، فحجرهم عن اجتماع اللمم.

قال الأستاد أبو إسحق الإسفرايني (?): كنت في جنب الشيخ أبي الحسن البَاهِلّي (?) كقطرة في جنب البحر وسمعت البَاهلِيّ يقول: كنت في جنب الأشعري، كقطرة في جنب البحر. وقال القاضي أبو بكر (?): أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن. وقيل: إنه سأل أبا علي الجُبّائي عن ثلاثة إخوة: مؤمن تقي، وكافر، وصبيّ، ماتوا، ماحالهم؟ قال: المؤمن في الجنّة والكافر في النّار والصغير من أهل السلامة. فقال: إن أراد الصغير أن يرقى إلى درجة التّقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015