وأنتقل سريعاً مع مواقف علي في حياته قبل الخلافة في غزوة خيبر، في السنة السابعة من الهجرة برزت وتجلت بطولة أسد الله، وظهرت مكانته عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم, فلقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حصون خيبر آخر المعاقل لليهود في المدينة المنورة وحاصرها النبي حصاراً شديداً وطال الحصار, فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً -كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم -: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه) .
أسمعتم أيها الأحبة؟! رجل يحب الله ورسوله أمر عادي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن رجل يحبه الله ورسوله إنه أمر تشرئب إليه الأعناق, ولذا ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [والله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذٍ] يقول سهل بن سعد راوي الحديث: [فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها] أي: يخوضون ويتحدثون، يا ترى من سيكون هذا الرجل الذي سيفتح الله على يديه حصون خيبر المنيعة؟ يا ترى من سيكون هذا الرجل الذي يحبه الله ورسوله؟ فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشرأبت الأعناق، وحاول كل فارس مغوار أن يقول لرسول الله: هأنذا, وسكن الجميع وصمت الجمع وشق هذا الصمت الرهيب وهذا السكون الدائم صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أين علي بن أبي طالب؟ -إنه رجل الموقف وصاحب الراية- فقالوا: يا رسول الله! إنه يشتكي عينيه) لقد رمد علي وتخلف؛ لأنه يشتكي اليوم عينيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأرسلوا إليه, فأتي به رضي الله عنه وأرضاه، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على عينيه ودعا له فبرئ وكأنه لم يكن به وجع, وأعطاه الراية، فقال علي: على ماذا أقاتل الناس يا رسول الله؟ -وهذا لفظ مسلم من حديث أبي هريرة - فقال صلى الله عليه وسلم: قاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وفي لفظ البخاري: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداًَ خير لك من حمر النعم) .
وانطلق البطل المغوار والفدائي العظيم الذي علَّم الدنيا شرف البطولة وحقيقة الفداء، وسرعان ما علا صوت النصر على لسان هذا البطل الكبير والفدائي العظيم الذي صرخ بأعلى صوته في وسط حصون خيبر: الله أكبر! خربت خيبر , وتم الفتح بموعود الله وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد هذا الأسد والبطل الشريف والفدائي الكبير.