أما الشبهة الأخيرة -وأكتفي بها- ولعلها أخطر الشبهات: قول البعض: إن أبا حنيفة يخالف أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان.
فمن المعلوم أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة: (اعتقاد وقول وعمل) قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، إلا أنهم اتهموا أبا حنيفة بالإرجاء وقالوا: بأنه من المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان، ويقولون: بأن أصل الإيمان يكفي، وجعلوا مدار النجاة على مجرد التصديق فقط، فلا يهمهم عمل إذا استقر الإيمان في القلب، وهذا هو فكر المرجئة في هذه المسألة، فاتهموا أبا حنيفة بأنه من أهل الإرجاء؛ وأنه يخالف معتقد أهل السنة والجماعة في هذه الجزئية.
وأرد بما رد به الإمام أبو حنيفة نفسه على عالم البصرة عثمان البستي رحمه الله تعالى، حيث أرسل له عثمان رسالة يقول فيها: بلغني عنك يا أبا حنيفة أنك من المرجئة، فرد عليه أبو حنيفة بهذه الرسالة المطولة وقال فيها: أما بعد: فاعلم أنني أقول بأن أهل القبلة مؤمنون، وبأني لست أخرجهم من الإيمان إذا تركوا شيئاً من العمل، أما من ترك الإيمان والعمل فهو كافر عندنا من أهل النار، وأما من حقق أصل الإيمان وترك شيئاً من العمل فهو في مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه.
ا.
هـ.
ولذا قال الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الحنفية الطحاوية المشهورة قال: إن الخلاف بين أبي حنيفة وجمهور أهل السنة والجماعة في هذه المسألة إنما هو اختلاف لفظي، ودلل على ذلك بأدلة كثيرة، وذكر أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والزلات.
وذكر الإمام ابن أبي العز أن العمل شرط في كمال الإيمان عند أهل السنة والجماعة وليس شرطاً لصحة الإيمان كما قالت الفرق الأخرى.