قال الله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:100] والتحرز في الخطاب القرآني وارد في أكثر الآيات، يقول الله: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران:113]، وهنا يقول الله: {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة:100]، فكلمة فريق لا تعني الكلية، فاليهود كانوا أربع طوائف أشهرهم من كان مؤمناً بالله واليوم الآخر قائماً بالكتاب على أكمل وجه، وهذا سيأتي في قول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة:121]، ومنهم علماء يعلمون أنه الحق لكنهم أبوا الإيمان حسداً، ومنهم جهلة يتبعون علماءهم، ورابعهم فسقة متمردون حتى على شريعة موسى.
قال الله: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا} [البقرة:100] الهمزة هنا للاستفهام، والواو عاطفة، هذا مذهب سيبويه رحمة الله تعالى عليه، وقد تكرر نظير هذا في القرآن كثيراً.
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة:100] النبذ في الأصل لا يكون إلا بعد استلام وقبول، وهم قبلوا التوراة ثم بعد ذلك نبذوها وتركوها، فيكون النبذ إلقاء لشيء تحمله، وقد ذكر الله عز وجل أنه نبذ فرعون في اليم.
{نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:100] وكلمة (بل) هنا للإضراب أي: للإنتقال أي أن الحق في صنيعهم أنهم لا يؤمنون.
ثم قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:101] كتاب الله المقصود به القرآن، تركوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، مع أنهم أهل علم، وكأن تفيد التشبيه، فلما لم يعملوا بعلمهم شبههم الله بمن لا علم له أصلاً.