{وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39]، فهذا من أعظم ما عذب الله به أهل النار: أن الله قطع عنهم حتى التأسي بغيرهم، فإن المصائب في الدنيا يهونها أن تجد أحداً مثلك أو أعظم منك في المصيبة، لكن أهل النار حرمهم الله جل وعلا من التأسي الذي يخفف عنهم به العذاب، وهذا له نظائر في كلام الناس وأحوالهم، وأنتم تسمعون عن الخنساء، وهي صحابية يقال لها: تماضر، فقد كان لها أخ غير شقيق يسمى صخراً، وكان باراً بها، فكانت وفية به، وقد جرت عادة الفضلاء والعقلاء أن الإنسان إذا أحسن إليهم سبقاً دون نعمة يربّها فقد طوّق أعناقهم، وتقول العوام في أمثالها: الأول لا يلحقه شيء، أي: صاحب النعمة الأولى لا يدرك.
فهذا صخر أثنى على أخته الخنساء قبل أن يعرف قدرتها الشعرية، وقبل أن يموت، وقبل أن ينال منها فضلاً، وهو غير شقيق، فوقع في قلبها هذه المكانة ببره لها، ومات في بعض حروبه، فلما جاءت ترثيه قالت فيه رثاءً جماً: قذىً بعينيك أم بالعين عوار أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدارُ ثم أطنبت في ذكره، وإلى يومنا هذا والناس تردد شعرها.
هباط أودية شهاد أندية حمال ألوية للجيش جرارُ إلى آخر القصيدة.
والعلاقة بين الآيات والأبيات هي: التأسي، قالت في مقطوعة لها: يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل مغيب شمسِ ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي فهي تتأسى بمن ترى حولها من أخوات وقريبات وجارات فقدن إخوانهن كما فقدت أخاها، فجعلها ذلك تتأسى، فالتأسي بالغير نوع مما يخفف به الكلم والمصيبة والجرح، فهذا محروم منه أهل النار، قال الله جل وعلا: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف:39] أي: اشتركتم في الظلم تحملتم الأعباء بعضكم عن بعض، فما قمتم به من ظلم فربما أصبح بينكم تعاون في تحمل أعبائه، لكن ليس ثمة تعاون في حمل البلاء، قال الله جل وعلا: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39]، نعوذ بالله جل وعلا من جهنم وحرها بالكلية.