ثم هذه الآية ممهدة للآيات ومقاطع بعدها، وهي قضية إظهار حقارة الدنيا، فلما أراد الله أن يظهر حقارة الدنيا قال مخاطباً عباده: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35].
فلا بد من تقدير شيء ما في المسألة، والتقدير: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف:33] التقدير: ولولا كراهة أن يأتي الناس الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن، والمعنى: أن الله جل وعلا يبين أن الدنيا إعطاؤها للكافر يدل على حقارتها عنده، ومجرد أن الله جل وعلا أذن للكافر أن ينعم في الدنيا فهذا دلالة على أنها حقيرة عند الله؛ لأن الكفار ليسوا أولياء لله، فتنعمهم في الدنيا يدل على أن الدنيا ليست بشيء، فالله جل وعلا يبين مخافة أن يظن الناس أن الكفر هو السبب في النعيم، فأصبح الناس بذلك كلهم كفار؛ رجاء أن ينعمهم، لكن كراهة أن يظن الناس ذلك منعنا جريان الأمر على إطلاقه بدون تقييد، {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33]، و (معارج) جمع معراج، وهي بمعنى السلالم، وقد مرت معنا قبل في آيات سابقة.
{عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33] أي: يصعدون، {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا} [الزخرف:34 - 35]، وهذا كله المقصود منه إظهار المتاع الذي يعيشه الناس في حياتهم، {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:35]، ثم بين الله جل وعلا أن الحقيقة التي لا مناص منها أن المتاع الباقي هو متاع الآخرة، فقال ربنا: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ} [الزخرف:35] وليس هذا محل خلاف، لكن يأتي محل تساؤل: لمن؟ فجاء الجواب القرآني: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:35].